للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك الحميم حتى يذوب اللحم ويبقى العظم والعينان في الرأس وهي كالتي يقول الله تعالى:

﴿فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النّارِ يُسْجَرُونَ﴾ [غافر: ٧١ - ٧٢] والحميم الآن يعني الحار، وعن القرظي رواية أخرى ﴿حَمِيمٍ آنٍ﴾ أي حاضر وهو قول ابن زيد أيضا، والحاضر لا ينافي ما روي عن القرظي أولا أنه الحار كقوله تعالى: ﴿تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ﴾ [الغاشية: ٥] أي حارة شديدة الحر لا تستطاع، وكقوله: ﴿غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ﴾ [الأحزاب: ٥٣] يعني استواءه ونضجه فقوله:

﴿حَمِيمٍ آنٍ﴾ أي حميم حار جدا. ولما كان معاقبة العصاة المجرمين وتنعيم المتقين من فضله ورحمته وعدله ولطفه بخلقه، وكان إنذاره لهم عن عذابه وبأسه مما يزجرهم عما هم فيه من الشرك والمعاصي وغير ذلك قال ممتنا بذلك على بريته ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾.

[[سورة الرحمن (٥٥): الآيات ٤٦ إلى ٥٣]]

﴿وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (٤٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٧) ذَواتا أَفْنانٍ (٤٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٩) فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (٥٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥١) فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (٥٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٣)

قال ابن شوذب وعطاء الخراساني: نزلت هذه الآية ﴿وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ﴾ في أبي بكر الصديق، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا محمد بن مصفى، حدثنا بقية عن أبي بكر بن أبي مريم عن عطية بن قيس في قوله تعالى: ﴿وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ﴾ نزلت في الذي قال: أحرقوني بالنار لعلّي أضل الله قال تاب يوما وليلة، بعد أن تكلم بهذا فقبل الله منه وأدخله الجنة (١).

والصحيح أن هذه الآية عامة كما قاله ابن عباس وغيره يقول الله تعالى: ﴿وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ﴾ بين يدي الله ﷿ يوم القيامة ﴿وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى﴾ [النازعات: ٤٠] ولم يطغ ولا آثر الحياة الدنيا، وعلم أن الآخرة خير وأبقى فأدى فرائض الله واجتنب محارمه، فله يوم القيامة عند ربه جنتان، كما قال البخاري : حدثنا عبد الله بن أبي الأسود، حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي، حدثنا أبو عمران الجوني عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس، عن أبيه أن رسول الله قال: «جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم ﷿ إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن» (٢) وأخرجه بقية الجماعة إلا أبا داود من حديث عبد العزيز به، وقال حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه قال حماد: لا أعلمه إلا قد رفعه في قوله تعالى:

﴿وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ﴾ وفي قوله: ﴿وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ﴾ جنتان من ذهب للمقربين


(١) أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ٢٠٢.
(٢) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٥٥، باب ١ و ٢، ومسلم في الإيمان حديث ٢٩٦، والترمذي في الجنة باب ٣، ٧، وابن ماجة في المقدمة باب ١٣، والدارمي في الرقاق باب ١٠١، وأحمد في المسند ٤/ ٤١١، ٤١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>