للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ﴾ يعني في مجالس الحرب قالوا:

ومعنى قوله: ﴿وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا﴾ أي انهضوا للقتال. وقال قتادة ﴿وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا﴾ أي إذا دعيتم إلى خير فأجيبوا وقال مقاتل إذا دعيتم إلى الصلاة فارتفعوا إليها. وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم كانوا إذا كانوا عند النبي في بيته فأرادوا الانصراف، أحب كل منهم أن يكون هو آخرهم خروجا من عنده، فربما يشق ذلك عليه، وقد تكون له الحاجة فأمروا أنهم إذا أمروا بالانصراف أن ينصرفوا كقوله تعالى: ﴿وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا﴾ [النور: ٢٨].

وقوله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ أي لا تعتقدوا أنه إذا أفسح أحد منكم لأخيه إذا أقبل أو إذا أمر بالخروج فخرج، أن يكون ذلك نقصا في حقه بل هو رفعة ورتبة عند الله، والله تعالى لا يضيع ذلك له، بل يجزيه بها في الدنيا والآخرة فإن من تواضع لأمر الله رفع الله قدره ونشر ذكره، ولهذا قال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ أي خبير بمن يستحق ذلك وبمن لا يستحقه.

وقال الإمام أحمد (١): حدثنا أبو كامل حدثنا إبراهيم حدثنا ابن شهاب عن أبي الطفيل عامر بن واثلة أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بن الخطاب بعسفان، وكان عمر استعمله على مكة، فقال له عمر: من استخلفت على أهل الوادي؟ قال: استخلفت عليهم ابن أبزى قال:

وما ابن أبزى فقال: رجل من موالينا، فقال عمر: استخلفت عليهم مولى؟ فقال: يا أمير المؤمنين إنه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض قاض، فقال عمر : أما إن نبيكم قد قال: «إن الله يرفع بهذا الكتاب قوما ويضع به آخرين» وهكذا رواه مسلم (٢) من غير وجه عن الزهري به، وروي من غير وجه عن عمر بنحوه، وقد ذكرت فضل العلم وأهله وما ورد في ذلك من الأحاديث مستقصاة في شرح كتاب العلم من صحيح البخاري، ولله الحمد والمنة.

[[سورة المجادلة (٥٨): الآيات ١٢ إلى ١٣]]

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٣)

يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين إذا أراد أحدهم أن يناجي رسول الله أي يسارّه فيما بينه وبينه، أن يقدم بين يدي ذلك صدقة تطهره وتزكيه وتؤهله لأن يصلح لهذا المقام، ولهذا قال


(١) المسند ١/ ٣٥.
(٢) كتاب المسافرين حديث ٢٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>