للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول تعالى منبها على قدرته العظيمة في خلقه الأشياء المختلفة خلق البحرين العذب الزلال، وهو هذه الأنهار السارحة بين الناس من كبار وصغار بحسب الحاجة إليها في الأقاليم والأمصار والعمران والبراري والقفار، وهي عذبة سائغ شرابها لمن أراد ذلك ﴿وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ﴾ أي مر وهو البحر الساكن الذي تسير فيه السفن الكبار، وإنما تكون مالحة زعافا مرة، ولهذا قال: ﴿وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ﴾ أي مر. ثم قال تعالى: ﴿وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا﴾ يعني السمك ﴿وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها﴾ [الرحمن: ٢٢ - ٢٣] كما قال ﷿: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ وقوله جل وعلا: ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ﴾ أي تمخره وتشقه بحيزومها وهو مقدمها المسنم الذي يشبه جؤجؤ الطير وهو صدره، وقال مجاهد: تمخر الريح السفن ولا يمخر الريح من السفن إلا العظام وقوله جل وعلا: ﴿لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ أي بأسفاركم بالتجارة من قطر إلى قطر وإقليم إلى إقليم ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ أي تشكرون ربكم على تسخيره لكم هذا الخلق العظيم، وهو البحر، تتصرفون فيه كيف شئتم، تذهبون أين أردتم، ولا يمتنع عليكم شيء منه، بل بقدرته قد سخر لكم ما في السموات وما في الأرض، الجميع من فضله ورحمته.

[[سورة فاطر (٣٥): الآيات ١٣ إلى ١٤]]

﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (١٣) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اِسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (١٤)

وهذا أيضا من قدرته التامة وسلطانه العظيم في تسخيره الليل بظلامه، والنهار بضيائه، ويأخذ من طول هذا فيزيده في قصر هذا فيعتدلان، ثم يأخذ من هذا في هذا، فيطول هذا ويقصر هذا، ثم يتقارضان صيفا وشتاء ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ أي والنجوم السيارات، والثوابت الثاقبات، بأضوائهن أجرام السموات، الجميع يسيرون بمقدار معين، وعلى منهاج مقنن محرر، تقديرا من عزيز عليم ﴿كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾ أي إلى يوم القيامة ﴿ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ﴾ أي الذي فعل هذا هو الرب العظيم الذي لا إله غيره ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ﴾ أي من الأصنام والأنداد التي هي على صورة من تزعمون من الملائكة المقربين ﴿ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾ قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وعطاء وعطية العوفي والحسن وقتادة وغيرهم: القطمير هو اللفافة التي تكون على نواة التمرة (١)، أي لا يملكون من السموات والأرض شيئا ولا بمقدار هذا القطمير.


(١) انظر تفسير الطبري ١٠/ ٤٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>