للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» حَدِيثًا غَرِيبًا فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سَعْدٍ مَوْلَى طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ حَتَّى عَدَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَلَكِنْ قَدْ سَمِعْتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: «كَانَ الْكِفْلُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يَتَوَرَّعُ مِنْ ذَنْبٍ عَمِلَهُ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَارًا عَلَى أَنْ يَطَأَهَا، فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ أُرْعِدَتْ وَبَكَتْ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ أَكْرَهْتُكِ؟ قَالَتْ:

لَا وَلَكِنَّ هَذَا عَمَلٌ لَمْ أَعْمَلْهُ قَطُّ، وَإِنَّمَا حَمَلَنِي عَلَيْهِ الْحَاجَةُ، قَالَ: فتفعلين هذا ولم تفعليه قط؟ ثم نزل فقال: اذهبي بالدنانير لَكِ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَا يَعْصِي اللَّهَ الْكِفْلُ أَبَدًا، فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ، فَأَصْبَحَ مَكْتُوبًا على بابه: غَفَرَ اللَّهُ لِلْكِفْلِ» هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرواية الكفل من غير إضافة، والله أَعْلَمُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَإِسْنَادُهُ غَرِيبٌ، وَعَلَى كُلِّ تقدير فلفظ الحديث إن كل الْكِفْلَ، وَلَمْ يَقُلْ ذُو الْكِفْلِ فَلَعَلَّهُ رَجُلٌ آخر والله أعلم.

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٨٧ الى ٨٨]

وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (٨٨)

هذه القصة مذكورة هنا وَفِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ «٢» وَفِي سُورَةِ ن «٣» ، وَذَلِكَ أَنَّ يُونُسَ بْنَ مَتَّى عَلَيْهِ السَّلَامُ، بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ قَرْيَةِ نِينَوَى، وَهِيَ قَرْيَةٌ من أرض الموصل، فدعاهم إلى الله تعالى، فَأَبَوْا عَلَيْهِ وَتَمَادَوْا عَلَى كُفْرِهِمْ، فَخَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ مُغَاضِبًا لَهُمْ، وَوَعَدَهُمْ بِالْعَذَابِ بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَلَمَّا تَحَقَّقُوا مِنْهُ ذَلِكَ وَعَلِمُوا أَنَّ النَّبِيَّ لَا يَكْذِبُ، خَرَجُوا إِلَى الصَّحْرَاءِ بِأَطْفَالِهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْأُمَّهَاتِ وَأَوْلَادِهَا، ثُمَّ تَضَرَّعُوا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَجَأَرُوا إِلَيْهِ، وَرَغَتِ الْإِبِلُ وَفُصْلَانُهَا، وَخَارَتِ الْبَقَرُ وَأَوْلَادُهَا، وَثَغَتِ الغنم وسخالها، فَرَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ [يُونُسَ: ٩٨] .

وَأَمَّا يُونُسُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّهُ ذَهَبَ فَرَكِبَ مَعَ قَوْمٍ فِي سَفِينَةٍ فَلَجَّجَتْ بِهِمْ، وَخَافُوا أَنْ يَغْرَقُوا فَاقْتَرَعُوا عَلَى رَجُلٍ يُلْقُونَهُ مِنْ بَيْنِهِمْ يَتَخَفَّفُونَ مِنْهُ، فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى يونس فأبوا أن يلقوه، ثم أعادوها فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ أَيْضًا فَأَبَوْا، ثُمَّ أَعَادُوهَا فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ أَيْضًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ

[الصَّافَّاتِ: ١٤١] أَيْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ فَقَامَ يُونُسُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتَجَرَّدَ مِنْ ثِيَابِهِ، ثُمَّ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ، وَقَدْ أَرْسَلَ الله سبحانه من البحر الأخضر- فيما قاله ابن


(١) المسند ٢/ ٢٣. [.....]
(٢) الآيات ١٣٩- ١٤٨.
(٣) سورة القلم الآيات ٤٨- ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>