للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول تعالى مخبرا عن قول يعقوب لابنه يوسف حين قص عليه ما رأى من هذه الرؤيا التي تعبيرها خضوع إخوته له، وتعظيمهم إياه تعظيما زائدا بحيث يخرون له ساجدين إجلالا واحتراما وإكراما، فخشي يعقوب أن يحدث بهذا المنام، أحدا من إخوته فيحسدونه على ذلك، فيبغون له الغوائل حسدا منهم له، ولهذا قال له: ﴿لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً﴾ أي يحتالوا لك حيلة يردونك فيها.

ولهذا ثبتت السنة عن رسول الله قال «إذا رأى أحدكم ما يحب فليحدث به، وإذا رأى ما يكره فليتحول إلى جنبه الآخر، وليتفل عن يساره ثلاثا، وليستعذ بالله من شرها، ولا يحدث بها أحدا فإنها لن تضره» (١) وفي الحديث الآخر الذي رواه الإمام أحمد وبعض أهل السنن من رواية معاوية بن حيدة، القشيري أنه قال: قال رسول الله : «الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت» (٢) ومن هذا يؤخذ الأمر بكتمان النعمة حتى توجد وتظهر، كما ورد في حديث «استعينوا على قضاء الحوائج بكتمانها، فإن كل ذي نعمة محسود».

[[سورة يوسف (١٢): آية ٦]]

﴿وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦)

يقول تعالى مخبرا عن قول يعقوب لولده يوسف: إنه كما اختارك ربك وأراك هذه الكواكب مع الشمس والقمر ساجدة لك ﴿كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ﴾ أي يختارك ويصطفيك لنبوته ﴿وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ﴾ قال مجاهد وغير واحد: يعني تعبير الرؤيا (٣) ﴿وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ﴾ أي بإرسالك والإيحاء إليك، ولهذا قال: ﴿كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ﴾ وهو الخليل ﴿وَإِسْحاقَ﴾ ولده وهو الذبيح في قول، وليس بالرجيح ﴿إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ أي هو أعلم حيث يجعل رسالته، كما قال في الآية الأخرى.

[[سورة يوسف (١٢): الآيات ٧ إلى ١٠]]

﴿لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسّائِلِينَ (٧) إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨) اُقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اِطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (٩) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (١٠)

يقول تعالى: لقد كان في قصة يوسف وخبره مع إخوته آيات، أي عبرة ومواعظ للسائلين


(١) أخرجه أبو داود في السنة باب ١٨، والأدب باب ٨٨، وابن ماجة في الرؤيا باب ٤، والدارمي في الرؤيا باب ٥، وأحمد في المسند ٥/ ٢٩٦، ٣٠٣، ٣٠٩.
(٢) أخرجه أبو داود في الأدب باب ٨٨، وابن ماجة في الرؤيا باب ٦، وأحمد في المسند ٤/ ١٠.
(٣) انظر تفسير الطبري ٧/ ١٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>