للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالأمم السالفة بسبب ذلك، فقال تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ﴾ أي تمردت وطغت واستكبرت عن اتباع أمر الله ومتابعة رسله ﴿فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً﴾ أي منكرا فظيعا ﴿فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها﴾ أي غب مخالفتها وندموا حيث لا ينفعهم الندم ﴿وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً﴾ أي في الدار الآخرة مع ما عجل لهم من العذاب في الدنيا، ثم قال تعالى بعد ما قص من خبر هؤلاء ﴿فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ﴾ أي الأفهام المستقيمة لا تكونوا مثلهم فيصيبكم ما أصابهم يا أولي الألباب ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي صدقوا بالله ورسله ﴿قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً﴾ أي القرآن كقوله تعالى: ﴿إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩].

وقوله تعالى: ﴿رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ﴾ قال بعضهم: رسولا منصوب على أنه بدل اشتمال وملابسة لأن الرسول هو الذي بلغ الذكر.

قال ابن جرير (١): الصواب أن الرسول ترجمة عن الذكر يعني تفسيرا له، ولهذا قال تعالى:

﴿رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ﴾ أي في حال كونها بينة واضحة جلية ﴿لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ﴾ كقوله تعالى: ﴿كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ﴾ [إبراهيم: ١] وقال تعالى: ﴿اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ﴾ [البقرة: ٢٥٧] أي من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم، وقد سمى الله تعالى الوحي الذي أنزله نورا لما يحصل به من الهدى كما سماه روحا لما يحصل به من حياة القلوب فقال تعالى: ﴿وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢] وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً﴾ قد تقدم تفسير مثل هذا غير مرة بما أغنى عن إعادته هاهنا، ولله الحمد والمنة.

[[سورة الطلاق (٦٥): آية ١٢]]

﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (١٢)

يقول تعالى مخبرا عن قدرته التامة وسلطانه العظيم ليكون ذلك باعثا على تعظيم ما شرع من الدين القويم ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ﴾ كقوله تعالى إخبارا عن نوح أنه قال لقومه ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً﴾ [نوح: ١٥] وقوله تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾ [الإسراء: ٤٤] وقوله تعالى: ﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ أي سبعا أيضا كما ثبت في الصحيحين «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين» (٢) وفي صحيح


(١) تفسير الطبري ١٢/ ١٤٨.
(٢) أخرجه البخاري في بدء الخلق باب ٢، ومسلم في المساقاة حديث ١٣٧، ١٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>