للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا تُخَاصِمْ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ ظَالِمٌ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «١» عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، قَالَ «أَلَا إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّمَا يَأْتِينِي الْخِصْمُ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ، فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ نَارٍ فَلْيَحْمِلَهَا أَوْ لِيَذَرْهَا» فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ وَهَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُغَيِّرُ الشَّيْءَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَلَا يُحِلُّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَرَامًا هُوَ حَرَامٌ، وَلَا يحرم حلالا هو حلال وإنما هو ملزم فِي الظَّاهِرِ، فَإِنْ طَابَقَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَلِلْحَاكِمِ أَجْرُهُ وَعَلَى الْمُحْتَالِ وِزْرُهُ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَيْ تعلمون بطلان ما تدعونه وتروجونه فِي كَلَامِكُمْ.

قَالَ قَتَادَةُ: اعْلَمْ يَا ابْنَ آدَمَ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي لَا يُحِلُّ لَكَ حَرَامًا وَلَا يُحِقُّ لَكَ بَاطِلًا، وَإِنَّمَا يَقْضِي القاضي بنحو ما يرى وتشهد بِهِ الشُّهُودُ، وَالْقَاضِي بَشَرٌ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ مَنْ قُضِيَ لَهُ بِبَاطِلٍ أَنَّ خُصُومَتَهُ لَمْ تَنْقَضِ حَتَّى يَجْمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقْضِيَ عَلَى الْمُبْطِلِ لِلْمُحِقِّ بِأَجْوَدِ مِمَّا قُضِيَ بِهِ لِلْمُبْطِلِ عَلَى الْمُحِقِّ فِي الدُّنْيَا.

[[سورة البقرة (٢) : آية ١٨٩]]

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٨٩)

قَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: سَأَلَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْأَهِلَّةِ، فَنَزَلَتْ هذه الآية يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ يَعْلَمُونَ بِهَا حِلَّ دَيْنِهِمْ وَعِدَّةَ نِسَائِهِمْ وَوَقْتَ حَجِّهِمْ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ «٢» عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: بَلَغَنَا أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ خلقت الأهلة؟ فأنزل الله يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ يَقُولُ جَعَلَهَا اللَّهُ مَوَاقِيتَ لِصَوْمِ الْمُسْلِمِينَ وَإِفْطَارِهِمْ وعدة نسائهم ومحل دينهم «٣» ، كذا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَالضَّحَّاكِ وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ نَحْوُ ذَلِكَ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «جَعَلَ اللَّهُ الْأَهِلَّةَ مَوَاقِيتَ لِلنَّاسِ، فَصُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنَّ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ بِهِ، وَقَالَ: كَانَ ثِقَةً عَابِدًا مُجْتَهِدًا شَرِيفَ النَّسَبِ فَهُوَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «جَعَلَ اللَّهُ الْأَهِلَّةَ، فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ فَصُومُوا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غمّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ» وَكَذَا رُوِيَ مِنْ


(١) صحيح البخاري (مظالم باب ١٦، وأحكام باب ٢٩ و ٣١) وصحيح مسلم (أقضية حديث ٥) .
(٢) تفسير الطبري ٢/ ١٩١.
(٣) في الطبري: «وحلّ ديونهم» .

<<  <  ج: ص:  >  >>