للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي لا أطلب منكم على إبلاغي إياكم هذا القرآن أجرا أي أجرة، ولا أريد منكم شيئا، ﴿إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرى لِلْعالَمِينَ﴾ أي يتذكرون به، فيرشدوا من العمى إلى الهدى، ومن الغي إلى الرشاد، ومن الكفر إلى الإيمان.

[[سورة الأنعام (٦): الآيات ٩١ إلى ٩٢]]

﴿وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (٩١) وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٩٢)

يقول الله تعالى وما عظموا الله حق تعظيمه، إذ كذبوا رسله إليهم، قال ابن عباس ومجاهد وعبد الله بن كثير: نزلت في قريش، واختاره ابن جرير (١)، وقيل نزلت في طائفة من اليهود، وقيل في فنحاص رجل منهم، وقيل في مالك بن الصيف ﴿قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ﴾ والأول أصح، لأن الآية مكية، واليهود لا ينكرون إنزال الكتب من السماء، وقريش والعرب قاطبة كانوا ينكرون إرسال محمد لأنه من البشر، كما قال ﴿أَكانَ لِلنّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النّاسَ﴾ [يونس: ٢] وكقوله تعالى: ﴿وَما مَنَعَ النّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً﴾ [الإسراء: ٩٤ - ٩٥] وقال هاهنا ﴿وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ﴾ قال الله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنّاسِ﴾ أي قل يا محمد لهؤلاء المنكرين لإنزال شيء من الكتب من عند الله، في جواب سلبهم العام، بإثبات قضية جزئية موجبة، ﴿مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى﴾ وهو التوراة التي قد علمتم، وكل أحد أن الله قد أنزلها على موسى بن عمران، نورا وهدى للناس، أي ليستضاء بها في كشف المشكلات، ويهتدي بها من ظلم الشبهات.

وقوله ﴿تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً﴾ أي تجعلون جملتها قراطيس، أي قطعا تكتبونها من الكتاب الأصلي، الذي بأيديكم، وتحرفون منها ما تحرفون، وتبدلون وتتأولون، وتقولون هذا من عند الله، أي في كتابه المنزل، وما هو من عند الله، ولهذا قال ﴿تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً﴾.

وقوله تعالى: ﴿وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ﴾ أي ومن أنزل القرآن الذي علمكم الله فيه، من خبر ما سبق، ونبأ ما يأتي ما لم تكونوا تعلمون ذلك، لا أنتم ولا آباؤكم، وقد قال قتادة: هؤلاء مشركو العرب وقال مجاهد هذه للمسلمين.


(١) تفسير الطبري ٥/ ٢٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>