للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على عبده ورسوله الذي اصطفاه لتبليغ الرسالة وأداء الأمانة فقال تعالى: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ يعني محمدا ، أضافه إليه على معنى التبليغ، لأن الرسول من شأنه أن يبلغ عن المرسل ولهذا أضافه في سورة التكوير إلى الرسول الملكي ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾ [التكوير: ٢٠] وهذا جبريل ، ثم قال تعالى: ﴿وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ﴾ [التكوير: ٢٢] يعني محمدا ﴿وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ﴾ [التكوير: ٢٣] يعني أن محمدا رأى جبريل على صورته التي خلقه الله عليها ﴿وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ﴾ [التكوير: ٢٤] أي بمتهم.

﴿وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ﴾ [التكوير: ١٩ - ٢٥] وهكذا قال هاهنا ﴿وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ﴾ فأضافه الله تارة إلى قول الرسول الملكي وتارة إلى الرسول البشري، لأن كلا منهما مبلغ عن الله ما استأمنه عليه من وحيه وكلامه، ولهذا قال تعالى: ﴿تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾.

قال الإمام أحمد (١): حدثنا أبو المغيرة، حدثنا صفوان، حدثنا شريح بن عبيد قال: قال عمر بن الخطاب: خرجت أتعرض رسول الله قبل أن أسلم، فوجدته قد سبقني إلى المسجد فقمت خلفه فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أعجب من تأليف القرآن قال: فقلت هذا والله شاعر كما قالت قريش، قال: فقرأ ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ﴾ قال: فقلت كاهن، قال: فقرأ ﴿وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ﴾ إلى آخر السورة قال: فوقع الإسلام في قلبي كل موضع، فهذا من جملة الأسباب التي جعلها الله تعالى مؤثرة في هداية عمر بن الخطاب ، كما أوردنا كيفية إسلامه في سيرته المفردة، ولله الحمد والمنة.

[[سورة الحاقة (٦٩): الآيات ٤٤ إلى ٥٢]]

﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (٤٧) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) وَإِنّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (٤٩) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (٥١) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٥٢)

يقول تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا﴾ أي محمد لو كان كما يزعمون مفتريا علينا فزاد في الرسالة أو نقص منها، أو قال شيئا من عنده فنسبه إلينا وليس كذلك لعاجلناه بالعقوبة، ولهذا قال تعالى: ﴿لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ﴾ قيل: معناه لانتقمنا منه باليمين لأنها أشد في البطش، وقيل لأخذنا منه بيمينه ﴿ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾ قال ابن عباس: وهو نياط القلب وهو العرق الذي القلب معلق فيه، وكذا قال عكرمة وسعيد بن جبير والحكم وقتادة والضحاك، ومسلم البطين


(١) المسند ١/ ١٧، ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>