وقوله: ﴿حَتّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ﴾ أي حتى إذا مر سليمان ﵇ بمن معه من الجيوش والجنود على وادي النمل ﴿قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ أورد ابن عساكر من طريق إسحاق بن بشر عن سعيد عن قتادة عن الحسن أن اسم هذه النملة حرس، وأنها من قبيلة يقال لهم بنو الشيصان، وأنها كانت عرجاء، وكانت بقدر الذئب، أي خافت على النمل أن تحطمها الخيول بحوافرها، فأمرتهم بالدخول إلى مساكنهم، ففهم ذلك سليمان ﵇ منها.
﴿فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ﴾ أي ألهمني أن أشكر نعمتك التي مننت بها عليّ من تعليمي منطق الطير والحيوان. وعلى والدي بالإسلام لك، والإيمان بك ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ﴾ أي عملا تحبه وترضاه ﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصّالِحِينَ﴾ أي إذا توفيتني فألحقني بالصالحين من عبادك، والرفيق الأعلى من أوليائك، ومن قال من المفسرين أن هذا الوادي كان بأرض الشام أو بغيره، وأن هذه النملة كانت ذات جناحين كالذباب أو غير ذلك من الأقاويل، فلا حاصل لها.
وعن نوف البكالي أنه قال: كان نمل سليمان أمثال الذئاب، هكذا رأيته مضبوطا بالياء المثناة من تحت، وإنما هو بالباء الموحدة وذلك تصحيف، والله أعلم. والغرض أن سليمان ﵇ فهم قولها وتبسم ضاحكا من ذلك، وهذا أمر عظيم جدا. وقد قال ابن أبي حاتم:
حدثنا أبي، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا مسعر عن زيد العمي عن أبي الصديق الناجي قال: خرج سليمان بن داود ﵉ يستسقي، فإذا هو بنملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك، ولا غنى بنا عن سقياك وإلا تسقنا تهلكنا. فقال سليمان: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم. وقد ثبت في الصحيح عند مسلم من طريق عبد الرزاق، عن معمر عن همام عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال:«قرصت نبيا من الأنبياء نملة، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه، أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح؟ فهلا نملة واحدة؟»(١).
قال مجاهد وسعيد بن جبير وغيرهما عن ابن عباس وغيره: كان الهدهد مهندسا يدل سليمان ﵇ على الماء إذا كان بأرض فلاة طلبه، فنظر له الماء في تخوم الأرض، كما يرى الإنسان الشيء الظاهر على وجه الأرض، ويعرف كم مساحة بعده من وجه الأرض، فإذا