للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا كما تعبدونه من الأصنام والأنداد والأرباب المتفرقين إنما الله إله واحد ﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ﴾ أي أخلصوا له العبادة على منوال ما أمركم به على ألسنة الرسل ﴿وَاسْتَغْفِرُوهُ﴾ أي لسالف الذنوب ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ﴾ أي دمار لهم وهلاك عليهم ﴿الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ﴾ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يعني الذين لا يشهدون أن لا إله إلا الله وكذا قال عكرمة وهذا كقوله : ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسّاها﴾ [الشمس: ٩ - ١٠] وكقوله جلت عظمته: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى﴾ [الأعلى:

١٤ - ١٥] وقوله ﷿: ﴿فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكّى﴾ [النازعات: ١٨] والمراد بالزكاة هاهنا طهارة النفس من الأخلاق الرذيلة ومن أهم ذلك طهارة النفس من الشرك، وزكاة المال إنما سميت زكاة لأنها تطهره من الحرام وتكون سببا لزيادته وبركته وكثرة نفعه وتوفيقا إلى استعماله في الطاعات.

وقال السدي ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ﴾ أي لا يدينون بالزكاة، وقال معاوية بن قرة ليس هم من أهل الزكاة وقال قتادة يمنعون زكاة أموالهم وهذا هو الظاهر عند كثير من المفسرين واختاره ابن جرير وفيه نظر لأن إيجاب الزكاة إنما كان في السنة الثانية من الهجرة إلى المدينة على ما ذكره غير واحد وهذه الآية مكية اللهم إلا أن يقال لا يبعد أن يكون أصل أصل الصدقة والزكاة وكان مأمورا به في ابتداء البعثة كقوله : ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] فأما الزكاة ذات النصب والمقادير فإنما بين أمرها بالمدينة ويكون هذا جمعا بين القولين كما أن أصل الصلاة كان واجبا قبل طلوع الشمس وقبل غروبها في ابتداء البعثة فلما كان ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ونصف فرض الله تعالى على رسوله الصلوات الخمس وفصل شروطها وأركانها وما يتعلق بها بعد ذلك شيئا فشيئا والله أعلم. ثم قال بعد ذلك: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ قال مجاهد وغيره:

لا مقطوع ولا مجبوب كقوله تعالى: ﴿ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً﴾ [الكهف: ٣] وكقوله ﷿:

﴿عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هود: ١٠٨] وقال السدي ﴿غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ عليهم وقد رد عليه هذا التفسير بعض الأئمة فإن المنة لله على أهل الجنة قال الله : ﴿بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ﴾ [الحجرات: ١٧] وقال أهل الجنة ﴿فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ﴾ [الطور: ٢٧]، وقال رسول الله : «إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل» (١).

[[سورة فصلت (٤١): الآيات ٩ إلى ١٢]]

﴿قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيّامٍ سَواءً لِلسّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اِسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (١١) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (١٢)


(١) أخرجه البخاري في الرقاق باب ١٨، ومسلم في المنافقين حديث ٧١ - ٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>