للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهم أبوابها سريعا لتعجل لهم العقوبة ثم يقول لهم خزنتها من الزبانية الذين هم غلاظ الأخلاق شداد القوى على وجه التقريع والتوبيخ والتنكيل ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾ أي من جنسكم تتمكنون من مخاطبتهم والأخذ عنهم ﴿يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ﴾ أي يقيمون عليكم الحجج والبراهين على صحة ما دعوكم إليه ﴿وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا﴾ أي ويحذرونكم من شر هذا اليوم، فيقول الكفار لهم ﴿بَلى﴾ أي قد جاءونا وأنذرونا وأقاموا علينا الحجج والبراهين ﴿وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ﴾ أي ولكن كذبناهم وخالفناهم لما سبق لنا من الشقوة التي كنا نستحقها حيث عدلنا عن الحق إلى الباطل كما قال ﷿ مخبرا عنهم في الآية الأخرى: ﴿كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ وَقالُوا لَوْ كُنّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ. ما كُنّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك: ٨ - ١٠] أي رجعوا على أنفسهم بالملامة والندامة ﴿فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك: ١١] أي بعدا لهم وخسارا.

وقوله هاهنا ﴿قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها﴾ أي كل من رآهم وعلم حالهم يشهد عليهم بأنهم مستحقون للعذاب ولهذا لم يسند هذا القول إلى قائل معين بل أطلقه ليدل على أن الكون شاهد عليهم بأنهم يستحقون ما هم فيه بما حكم العدل الخبير عليهم ولهذا قال جل وعلا: ﴿قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها﴾ أي ماكثين فيها لا خروج لكم منها ولا زوال لكم عنها ﴿فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ أي فبئس المصير وبئس المقيل لكم بسبب تكبركم في الدنيا وإبائكم عن اتباع الحق فهو الذي صيركم إلى ما أنتم فيه فبئس الحال وبئس المآل.

[[سورة الزمر (٣٩): الآيات ٧٣ إلى ٧٤]]

﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اِتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (٧٣) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٧٤)

وهذا إخبار عن حال السعداء المؤمنين حين يساقون على النجائب وفدا إلى الجنة زمرا أي جماعة بعد جماعة: المقربون ثم الأبرار ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم كل طائفة مع من يناسبهم: الأنبياء مع الأنبياء والصديقون مع أشكالهم والشهداء مع أضرابهم، والعلماء مع أقرانهم وكل صنف مع صنف كل زمرة تناسب بعضها بعضا ﴿حَتّى إِذا جاؤُها﴾ أي وصلوا إلى أبواب الجنة بعد مجاوزة الصراط حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار فاقتص لهم مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة وقد ورد في حديث الصور أن المؤمنين إذا انتهوا إلى أبواب الجنة تشاوروا فيمن يستأذن لهم في الدخول فيقصدون آدم ثم نوحا ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم محمدا وعليهم أجمعين كما فعلوا في العرصات عند

<<  <  ج: ص:  >  >>