للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-إلى قوله تعالى- ﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ﴾ الآية. وهذا سياق غريب وفيه أشياء نفيسة لا توجد إلا فيه.

وقال محمد بن إسحاق بن يسار (١): حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن عبد الله بن عبد الله بن أبي لما بلغه ما كان من أمر أبيه أتى رسول الله فقال: يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالده مني، إني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس فأقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار، فقال رسول الله : «بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا».

وذكر عكرمة وابن زيد وغيرهما أن الناس لما قفلوا راجعين إلى المدينة وقف عبد الله بن عبد الله هذا على باب المدينة، واستل سيفه فجعل الناس يمرون عليه، فلما جاء أبوه عبد الله بن أبي قال له ابنه: وراءك! فقال: ما لك ويلك؟ فقال: والله لا تجوز من هاهنا حتى يأذن لك رسول الله فإنه العزيز وأنت الذليل، فلما جاء رسول الله وكان إنما يسير ساقة فشكا إليه عبد الله بن أبي ابنه، فقال ابنه عبد الله: والله يا رسول الله لا يدخلها حتى تأذن له، فأذن له رسول الله فقال: أما إذا أذن لك رسول الله فجز الآن. وقال أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي في مسنده: حدثنا سفيان بن عيينة، حدثنا أبو هارون المدني قال: قال عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول لأبيه: والله لا تدخل المدينة أبدا حتى تقول:

رسول الله الأعز وأنا الأذل، قال وجاء إلى النبي فقال يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد أن تقتل أبي فوالذي بعثك بالحق، ما تأملت وجهه قط هيبة له، ولئن شئت أن آتيك برأسه لأتيتك فإني أكره أن أرى قاتل أبي.

[[سورة المنافقون (٦٣): الآيات ٩ إلى ١١]]

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٩) وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصّالِحِينَ (١٠) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١١)

يقول تعالى آمرا لعباده المؤمنين بكثرة ذكره، وناهيا لهم عن أن تشغلهم الأموال والأولاد عن ذلك، ومخبرا لهم بأنه من التهى بمتاع الحياة الدنيا وزينتها عما خلق له من طاعة ربه وذكره، فإنه من الخاسرين الذين يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ثم حثهم على الإنفاق في طاعته فقال: ﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصّالِحِينَ﴾ فكل مفرط يندم عند الاحتضار ويسأل طول المدة ولو شيئا يسيرا ليستعتب ويستدرك ما فاته وهيهات، كان ما كان وأتى ما هو آت،


(١) سيرة ابن هشام ٢/ ٢٩٢، ٢٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>