للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِنَّ أَبْطَالٌ مَسَاعِيرُ «١» فِي الْوَغَى ... يَهُزُّونَ أَطْرَافَ الوشيج «٢» المقوم

وكل رقيق الشفرتين مهند ... تورث مِنْ أَزْمَانِ عَادٍ وَجُرْهُمِ

فَمَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي قُرَيْشًا رِسَالَةً ... فَهَلْ بَعْدَهُمْ فِي الْمَجْدِ مِنْ مُتَكَرِّمِ

بِأَنَّ أَخَاكُمُ فَاعْلَمَنَّ مُحَمَّدًا ... تَلِيدُ النَّدَى بين الحجون وزمزم

فدينوا له بالحق تحسم أموركم ... وتسمو من الدنيا إلى كل معظم

نبي تلاقته مِنَ اللَّهِ رَحَمةٌ ... وَلَا تَسْأَلُوهُ أَمْرَ غَيْبٍ مُرَجَّمِ

فَقَدْ كَانَ فِي بَدْرٍ لَعَمْرِي عِبْرَةٌ ... لَكُمْ يَا قُرَيْشُ وَالْقَلِيبِ الْمُلَمَّمِ

غَدَاةَ أتَى فِي الْخَزْرَجِيَّةِ عَامِدًا ... إِلَيْكُمْ مُطِيعًا لِلْعَظِيمِ الْمُكَرَّمِ

مُعَانًا بِرُوحِ الْقُدْسِ يَنْكَى «٣» عَدُوَّهُ ... رَسُولًا مِنَ الرَّحْمَنِ حَقًّا بِمَعْلَمِ

رَسُولًا مِنَ الرَّحْمَنِ يَتْلُو كِتَابَهُ ... فَلَمَّا أَنَارَ الْحَقَّ لَمْ يَتَلَعْثَمِ

أَرَى أَمْرَهُ يَزْدَادُ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ ... عُلُوًّا لِأَمْرٍ حَمَّهُ اللَّهُ مُحْكَمِ

وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ إِسْحَاقَ رحمه الله هاهنا أَشْعَارًا كَثِيرَةً فِيهَا آدَابٌ وَمَوَاعِظُ وَحِكَمٌ وَتَفَاصِيلُ لِلْقِصَّةِ، تَرَكْنَا بَاقِيهَا اخْتِصَارًا وَاكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَتْ وَقْعَةُ بَنِي النَّضِيرِ بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ وَبَعْدَ بِئْرِ مَعُونَةَ، وَحَكَى الْبُخَارِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ:

كَانَتْ وَقْعَةُ بَنِي النَّضِيرِ بعد بدر بستة أشهر «٤» .

[سورة الحشر (٥٩) : الآيات ٦ الى ٧]

وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٧)

يَقُولُ تعالى مبينا مال الْفَيْءِ وَمَا صِفَتُهُ وَمَا حُكْمُهُ، فَالْفَيْءُ كُلُّ مال أخذ من الكفار من غير قِتَالٍ وَلَا إِيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، كَأَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ هَذِهِ فَإِنَّهَا مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بَخِيلٍ وَلَا رِكَابٍ، أَيْ لَمْ يُقَاتِلُوا الْأَعْدَاءَ فِيهَا بِالْمُبَارَزَةِ وَالْمُصَاوَلَةِ بَلْ نَزَلَ أُولَئِكَ مِنَ الرُّعْبِ الَّذِي أَلْقَى اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ هَيْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَفَاءَهُ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَلِهَذَا تصرف فيه كما يشاء فَرَدَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْمَصَالِحِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الآيات فقال تعالى: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ أَيْ مَنْ بَنِي النَّضِيرِ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ


(١) المساعير: الذين يسعّرون الحرب ويثيرونها.
(٢) الوشيج: الرماح.
(٣) نكى عدوه: أصاب منه.
(٤) أخرجه البخاري في المغازي باب ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>