للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إسحاق، وكانت عندها منطقة (١) إسحاق، وكانوا يتوارثونها بالكبر، فكان من اختبأها ممن وليها كان له سلما لا ينازع فيه، يصنع فيه ما يشاء، وكان يعقوب حين ولد له يوسف قد حضنته عمته، وكان لها به وله، فلم تحب أحدا حبها إياه حتى إذا ترعرع وبلغ سنوات، تاقت إليه نفس يعقوب ، فأتاها فقال: يا أخية سلمي إليّ يوسف، فوالله ما أقدر على أن يغيب عني ساعة. قالت: فوالله ما أنا بتاركته، ثم قالت: فدعه عندي أياما أنظر إليه، وأسكن عنه لعل ذلك يسليني عنه، أو كما قالت فلما خرج من عندها يعقوب عمدت إلى منطقة إسحاق فحزمتها على يوسف من تحت ثيابه، ثم قالت: فقدت منطقة إسحاق ، فانظروا من أخذها ومن أصابها؟ فالتمست، ثم قالت: اكشفوا أهل البيت فكشفوهم، فوجدوها مع يوسف، فقالت: والله إنه لي لسلم، أصنع فيه ما شئت، فأتاه يعقوب، فأخبرته الخبر، فقال لها: أنت وذلك، إن كان فعل ذلك فهو سلم لك، ما أستطيع غير ذلك، فأمسكته فما قدر عليه يعقوب حتى ماتت (٢)، قال: فهو الذي يقول إخوة يوسف حين صنع بأخيه ما صنع حين أخذه ﴿إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ﴾.

وقوله: ﴿فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ﴾ يعني الكلمة التي بعدها، وهي قوله: ﴿أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ﴾ أي تذكرون، قال هذا في نفسه ولم يبده لهم، وهذا من باب الإضمار قبل الذكر، وهو كثير، كقول الشاعر: [البسيط] جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر … وحسن فعل كما يجزي سنمّار (٣)

وله شواهد كثيرة في القرآن والحديث واللغة في منثورها وأخبارها وأشعارها. قال العوفي عن ابن عباس ﴿فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ﴾، قال: أسر في نفسه ﴿أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ﴾.

[[سورة يوسف (١٢): الآيات ٧٨ إلى ٧٩]]

﴿قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٧٨) قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنّا إِذاً لَظالِمُونَ (٧٩)

لما تعين أخذ بنيامين وتقرر تركه عند يوسف بمقتضى اعترافهم، شرعوا يترققون له ويعطفونه عليهم ف ﴿قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً﴾ يعنون وهو يحبه حبا شديدا


(١) المنطقة: شقة تلبسها المرأة وتشد وسطها.
(٢) انظر تفسير الطبري ٧/ ٢٦٥.
(٣) البيت لسليط بن سعد في الأغاني ٢/ ١١٩، وخزانة ١/ ٢٩٣، ٢٩٤، والدرر ١/ ٢١٩، ومعجم ما استعجم ص ٥١٦، والمقاصد النحوية ٢/ ٤٩٥، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ٤٨٩، وتذكرة النحاة ص ٣٦٤، وخزانة الأدب ١/ ٢٨٠، وشرح الأشموني ١/ ١٧٠، وشرح ابن عقيل ص ٢٥٢، وهمع الهوامع ١/ ٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>