يقول ﵎ مخبرا عن نفسه أنه الغني عما سواه من المخلوقات كما قال موسى ﵊ ﴿إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ وفي صحيح مسلم «يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا»(١).
وقوله تعالى: ﴿وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ﴾ أي لا يحبه ولا يأمر به ﴿وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ أي يحبه منكم ويزدكم من فضله ﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾ أي لا تحمل نفس عن نفس شيئا بل كل مطالب بأمر نفسه ﴿ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ أي فلا تخفى عليه خافية.
وقوله ﷿: ﴿وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ﴾ أي عند الحاجة يتضرع ويستغيث بالله وحده لا شريك له كما قال تعالى: ﴿وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاّ إِيّاهُ فَلَمّا نَجّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً﴾ [الإسراء: ٦٧] ولهذا قال ﵎: ﴿ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ﴾ أي في حال الرفاهية ينسى ذلك الدعاء والتضرع كما قال ﷻ: ﴿وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ﴾ [يونس: ١٣].
وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ لِلّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ أي في حال العافية يشرك بالله ويجعل له أندادا ﴿قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النّارِ﴾ أي قل لمن هذه حاله وطريقته ومسلكه تمتع بكفرك قليلا وهو تهديد شديد ووعيد أكيد كقوله تعالى: ﴿قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النّارِ﴾ [إبراهيم: ٣٠] وقوله تعالى: ﴿نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ﴾ [لقمان:٢٤].
يقول ﷿ أمّن هذه صفته كمن أشرك بالله وجعل له أندادا، لا يستوون عند الله كما قال تعالى: ﴿لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ﴾ [آل عمران: ١١٣] وقال ﵎ هاهنا: ﴿أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً﴾ أي في حال
(١) أخرجه مسلم في البر حديث ٥٥، والترمذي في القيامة باب ٤٨، وابن ماجة في الزهد باب ٣٠، وأحمد في المسند ٥/ ١٥٤.