للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوحي من الله بأنه قد عفا عنا، قرت أعيننا، واطمأنت قلوبنا، وإلا فلا قرة عين في الدنيا لنا أبدا. قال: فقام الشيخ فاستقبل القبلة وقام يوسف خلف أبيه، وقاموا خلفهما أذلة خاشعين، قال: فدعا وأمن يوسف، فلم يجب فيهم عشرين سنة، قال صالح المري يخيفهم، قال: حتى إذا كان على رأس العشرين نزل جبريل ، على يعقوب ، فقال: إن الله تعالى قد بعثني إليك أبشرك بأنه قد أجاب دعوتك في ولدك وأن الله تعالى قد عفا عما صنعوا، وأنه قد اعتقد مواثيقهم من بعدك على النبوة (١).

هذا الأثر موقوف عن أنس. ويزيد الرقاشي وصالح المري ضعيفان جدا. وذكر السدي أن يعقوب لما حضره الموت أوصى إلى يوسف بأن يدفن عند إبراهيم وإسحاق، فلما مات صبره وأرسله إلى الشام، فدفن عندهما .

[[سورة يوسف (١٢): الآيات ١٠٢ إلى ١٠٤]]

﴿ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (١٠٢) وَما أَكْثَرُ النّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (١٠٤)

يقول تعالى لمحمد لما قص عليه نبأ إخوة يوسف، وكيف رفعه الله عليهم، وجعل له العاقبة والنصر والملك والحكم، مع ما أرادوا به من السوء والهلاك والإعدام، هذا وأمثاله يا محمد من أخبار الغيوب السابقة ﴿نُوحِيهِ إِلَيْكَ﴾ ونعلمك به يا محمد لما فيه من العبرة لك، والاتعاظ لمن خالفك ﴿وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ﴾ حاضرا عندهم ولا مشاهدا لهم ﴿إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ﴾ أي على إلقائه في الجب ﴿وَهُمْ يَمْكُرُونَ﴾ به، ولكنا أعلمناك به وحيا إليك وإنزالا عليك، كقوله: ﴿وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ﴾ [آل عمران: ٤٤] الآية، وقال تعالى: ﴿وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ﴾ [القصص: ٤٤] الآية، إلى قوله: ﴿وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا﴾ [القصص: ٤٦] الآية، وقال: ﴿وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا﴾ [القصص: ٤٥] الآية، وقال ﴿ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلاّ أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [ص: ٦٩ - ٧٠] يقول تعالى: إنه رسوله وإنه قد أطلعه على أنباء ما قد سبق، مما فيه عبرة للناس ونجاة لهم في دينهم ودنياهم، ومع هذا ما آمن أكثر الناس، ولهذا قال: ﴿وَما أَكْثَرُ النّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنعام: ١١٦] وقال: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ﴾ كقوله: ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء:٨] إلى غير ذلك من الآيات.

وقوله: ﴿وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ أي ما تسألهم يا محمد على هذا النصح والدعاء إلى الخير والرشد من أجر، أي من جعالة ولا أجرة على ذلك، بل تفعله ابتغاء وجه الله ونصحا لخلقه ﴿إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ﴾ يتذكرون به ويهتدون وينجون به في الدنيا والآخرة.


(١) انظر تفسير الطبري ٧/ ٣٠٩، ٣١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>