للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة يوسف (١٢): الآيات ٣٧ إلى ٣٨]]

﴿قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٣٧) وَاِتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٣٨)

يخبرهما يوسف أنهما مهما رأيا في المنام من حلم فإنه عارف بتفسيره يخبرهما بتأويله قبل وقوعه، ولهذا قال: ﴿لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ﴾ قال مجاهد:

يقول ﴿لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ﴾ في يومكما ﴿إِلاّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما﴾، وكذا قال السدي. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا محمد بن يزيد شيخ له، عن الحسن بن ثوبان، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:

ما أدري لعل يوسف كان يعتاف وهو كذلك، لأني أجد في كتاب الله حين قال للرجلين: ﴿لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ﴾ قال: إذا جاء الطعام حلوا أو مرا اعتاف عند ذلك.

ثم قال ابن عباس: إنما علم فعلم، وهذا أثر غريب، ثم قال: وهذا إنما هو من تعليم الله إياي، لأني اجتنبت ملة الكافرين بالله واليوم الآخر، فلا يرجون ثوابا ولا عقابا في المعاد ﴿وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ الآية، يقول: هجرت طريق الكفر والشرك، وسلكت طريق هؤلاء المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهكذا يكون حال من سلك طريق الهدى، واتبع طريق المرسلين، وأعرض عن طريق الضالين، فإن الله يهدي قلبه، ويعلمه ما لم يكن يعلم، ويجعله إماما يقتدى به في الخير، وداعيا إلى سبيل الرشاد.

﴿ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النّاسِ﴾ هذا التوحيد وهو الإقرار بأنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له ﴿مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا﴾ أي أوحاه إلينا وأمرنا به.

﴿وَعَلَى النّاسِ﴾ إذ جعلنا دعاة لهم إلى ذلك ﴿وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَشْكُرُونَ﴾ أي لا يعرفون نعمة الله عليهم بإرسال الرسل إليهم، بل ﴿بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ﴾ [إبراهيم: ٢٨]. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا أبو معاوية، حدثنا حجاج عن عطاء، عن ابن عباس أنه كان يجعل الجد أبا ويقول: والله فمن شاء لا عنته عند الحجر، ما ذكر الله جدا ولا جدة، قال الله تعالى يعني إخبارا عن يوسف: ﴿وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ﴾.

[[سورة يوسف (١٢): الآيات ٣٩ إلى ٤٠]]

﴿يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهّارُ (٣٩) ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٤٠)

ثم إنّ يوسف أقبل على الفتيين بالمخاطبة والدعاء لهما إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وخلع ما سواه من الأوثان التي يعبدها قومهما، فقال: ﴿أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهّارُ﴾ أي الذي ذل كل شيء لعز جلاله وعظمة سلطانه، ثم بين لهما أن التي

<<  <  ج: ص:  >  >>