ثم بعد المسيح ﵇ بنحو ثلاثمائة سنة دخل قسطنطين أحد ملوك اليونان في دين النصرانية وكان فيلسوفا قبل ذلك فدخل في دين النصارى قيل تقية وقيل حيلة ليفسده فوضعت له الأساقفة منهم قوانين وشريعة بدعوها وأحدثوها فبنى لهم الكنائس والبيع الكبار والصغار والصوامع والهياكل والمعابد والقلايات وانتشر دين النصرانية في ذلك الزمان واشتهر على ما فيه من تبديل وتغيير وتحريف ووضع وكذب ومخالفة لدين المسيح ولم يبق على دين المسيح على الحقيقة منهم إلا القليل من الرهبان فاتخذوا لهم الصوامع في البراري والمهامة والقفار.
واستحوذت يد النصارى على مملكة الشام والجزيرة وبلاد الروم وبنى هذا الملك المذكور مدينة قسطنطينية والمقامة وبيت لحم وكنائس ببلاد بيت المقدس ومدن حوران كبصرى وغيرها من البلدان بناءات هائلة محكمة وعبدوا الصليب من حينئذ وصلوا إلى الشرق وصوروا الكنائس، وأحلوا لحم الخنزير وغير ذلك مما أحدثوه من الفروع في دينهم والأصول ووضعوا له الأمانة الحقيرة التي يسمونها الكبيرة وصنفوا له القوانين وبسط هذا يطول. والغرض أن يدهم لم تزل على هذه البلاد إلى أن انتزعها منهم الصحابة ﵃ وكان فتح بيت المقدس على يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ ولله الحمد والمنة.
وقوله: ﴿وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ﴾ أي الحلال من الرزق الطيب النافع المستطاب طبعا وشرعا وقوله: ﴿فَمَا اخْتَلَفُوا حَتّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ﴾ أي ما اختلفوا في شيء من المسائل إلا من بعد ما جاءهم العلم أي ولم يكن لهم أن يختلفوا وقد بين الله لهم وأزال عنهم اللبس، وقد ورد في الحديث:«إن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة وإن النصارى اختلفوا على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة منها واحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار» قيل: من هم يا رسول الله قال: «ما أنا عليه وأصحابي»(١) رواه الحاكم في مستدركه بهذا اللفظ وهو في السنن والمسانيد ولهذا قال الله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ﴾ أي يفصل بينهم ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾.