للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي تعبدونها من دونه لا يملكون من الأمر شيئا، فإن الله تعالى لو أرادني بسوء ﴿فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاّ هُوَ﴾ [يونس: ١٠٧] وهذه الأصنام لا تملك دفع ذلك ولا منعه، ولا ينقذونني مما أنا فيه ﴿إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ أي إن اتخذتها آلهة من دون الله.

وقوله تعالى: ﴿إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ﴾ قال ابن إسحاق فيما بلغه عن ابن عباس وكعب ووهب: يقول لقومه ﴿إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ الذي كفرتم به ﴿فَاسْمَعُونِ﴾ أي فاسمعوا قولي ويحتمل أن يكون خطابه للرسل بقوله: ﴿إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ أي الذي أرسلكم ﴿فَاسْمَعُونِ﴾ أي فاشهدوا لي بذلك عنده، وقد حكاه ابن جرير فقال: وقال آخرون:

بل خاطب بذلك الرسل، وقال لهم: اسمعوا قولي لتشهدوا لي بما أقول لكم عند ربي، إني آمنت بربكم واتبعتكم، وهذا القول الذي حكاه عن هؤلاء أظهر في المعنى، والله أعلم. قال ابن إسحاق فيما بلغه عن ابن عباس وكعب ووهب : فلما قال ذلك، وثبوا عليه وثبة رجل واحد فقتلوه، ولم يكن له أحد يمنع عنه. وقال قتادة: جعلوا يرجمونه بالحجارة وهو يقول: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، فلم يزالوا به حتى أقعصوه، وهو يقول كذلك، فقتلوه .

[[سورة يس (٣٦): الآيات ٢٦ إلى ٢٩]]

﴿قِيلَ اُدْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧) وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنّا مُنْزِلِينَ (٢٨) إِنْ كانَتْ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (٢٩)

قال محمد بن إسحاق عن بعض أصحابه عن ابن مسعود ، أنهم وطئوه بأرجلهم حتى خرج قصبه من دبره (١)، وقال الله له: ﴿اُدْخُلِ الْجَنَّةَ﴾ فدخلها فهو يرزق فيها قد أذهب الله عنه سقم الدنيا وحزنها ونصبها. وقال مجاهد: قيل لحبيب النجار: ادخل الجنة، وذلك أنه قتل فوجبت له، فلما رأى الثواب ﴿قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ﴾ قال قتادة: لا تلقى المؤمن إلا ناصحا لا تلقاه غاشا. لما عاين من كرامة الله تعالى: ﴿قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ تمنى على الله أن يعلم قومه بما عاين من كرامة الله وما هجم عليه (٢). وقال ابن عباس: نصح قومه في حياته بقوله ﴿يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾ وبعد مماته في قوله ﴿يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ رواه ابن أبي حاتم.

وقال سفيان الثوري عن عاصم الأحول عن أبي مجلز ﴿بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ بإيماني بربي وتصديقي المرسلين ومقصودة أنهم لو اطلعوا على ما حصل لي من هذا الثواب والجزاء والنعيم المقيم، لقادهم ذلك إلى اتباع الرسل فرحمه الله ورضي عنه، فلقد


(١) انظر تفسير الطبري ١٠/ ٤٣٦.
(٢) انظر تفسير الطبري ١٠/ ٤٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>