القويم، والصراط المستقيم، وملة أبيه إبراهيم، فما بالهم لا يؤمنون؟ ولهذا قال تعالى: ﴿كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ﴾ أي كان حلا لهم، جميع الأطعمة قبل نزول التوراة إلا ما حرمه إسرائيل.
ثم قال تعالى: ﴿فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ فإنها ناطقة بما قلناه ﴿فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ أي فمن كذب على الله وادعى أنه شرع لهم السبت والتمسك بالتوراة دائما، وأنه لم يبعث نبيا آخر يدعو إلى الله بالبراهين والحجج بعد هذا الذي بيناه من وقوع النسخ وظهور ما ذكرناه ﴿فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ ثم قال تعالى: ﴿قُلْ صَدَقَ اللهُ﴾ أي قل يا محمد صدق الله فيما أخبر به وفيما شرعه في القرآن، ﴿فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ أي اتبعوا ملة إبراهيم التي شرعها الله في القرآن على لسان محمد ﷺ فإنه الحق الذي لا شك فيه ولا مرية، وهي الطريقة التي لم يأت نبي بأكمل منها ولا أبين ولا أوضح ولا أتم، كما قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ١٦٠ - ١٦١] وقال تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [النحل: ١٢٣].
يخبر تعالى أن أول بيت وضع للناس أي لعموم الناس لعبادتهم ونسكهم، يطوفون به، ويصلون إليه، ويعتكفون عنده ﴿لَلَّذِي بِبَكَّةَ﴾ يعني الكعبة التي بناها إبراهيم الخليل ﵇ الذي يزعم كل من طائفتي النصارى واليهود أنهم على دينه ومنهجه، ولا يحجون إلى البيت الذي بناه عن أمر الله له في ذلك ونادى الناس إلى حجه، ولهذا قال تعالى: ﴿مُبارَكاً﴾ أي وضع مباركا ﴿وَهُدىً لِلْعالَمِينَ﴾.
وقد قال الإمام أحمد (١): حدثنا سفيان عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر ﵁، قال: قلت يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال «المسجد الحرام». قلت: ثم أي؟ قال:«المسجد الأقصى،. قلت: كم بينهما؟ قال:
«أربعون سنة». قلت: ثم أي؟ قال:«ثم حيث أدركت الصلاة فصل فكلها مسجد» وأخرجه البخاري ومسلم من حديث الأعمش به.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا سعيد بن سليمان، عن