﴿فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ﴾ أي فكيف كان إنكاري عليهم ومعاقبتي لهم، أي عظيما شديدا أليما. ثم قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافّاتٍ وَيَقْبِضْنَ﴾ أي تارة يصففن أجنحتهن في الهواء وتارة تجمع وتنشر جناحا ﴿ما يُمْسِكُهُنَّ﴾ أي في الجو ﴿إِلاَّ الرَّحْمنُ﴾ أي بما سخر لهن من الهواء من رحمته ولطفه ﴿إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ﴾ أي بما يصلح كل شيء من مخلوقاته، وهذه كقوله تعالى ﴿أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [النحل: ٧٩].
يقول تعالى للمشركين الذين عبدوا معه غيره يبتغون عندهم نصرا ورزقا، منكرا عليهم فيما اعتقدوه ومخبرا لهم أنه لا يحصل لهم ما أملوه، فقال تعالى: ﴿أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ﴾ أي ليس لكم من دونه من ولي ولا واق ولا ناصر لكم غيره، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنِ الْكافِرُونَ إِلاّ فِي غُرُورٍ﴾ ثم قال تعالى: ﴿أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ﴾ أي من هذا الذي إذا قطع الله عنكم رزقه يرزقكم بعده، أي لا أحد يعطي ويمنع ويخلق ويرزق وينصر إلا الله ﷿ وحده لا شريك له، أي وهم يعلمون ذلك ومع هذا يعبدون غيره، ولهذا قال تعالى: ﴿بَلْ لَجُّوا﴾ أي استمروا في طغيانهم وإفكهم وضلالهم ﴿فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ﴾ أي في معاندة واستكبار ونفور على إدبارهم عن الحق لا يسمعون له ولا يتبعونه.
ثم قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ وهذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر، فالكافر مثله فيما هو فيه كمثل من يمشي مكبا على وجهه، أي يمشي منحنيا لا مستويا على وجهه أي لا يدري أين يسلك ولا كيف يذهب بل تائه حائر ضال، أهذا أهدى ﴿أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا﴾ أي منتصب القامة ﴿عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ أي على طريق واضح بين وهو في نفسه مستقيم وطريقه مستقيمة، هذا مثلهم في الدنيا وكذلك يكونون في الآخرة، فالمؤمن يحشر يمشي سويا على صراط مستقيم مفض به إلى الجنة الفيحاء، وأما الكافر فإنه يحشر يمشي على وجهه إلى نار جهنم.