يقول تعالى: ﴿وَلا يَأْتَلِ﴾ من الألية وهي الحلف، أي لا يحلف ﴿أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ﴾ أي الطّول والصدقة والإحسان ﴿وَالسَّعَةِ﴾ أي الجدة ﴿أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ أي لا تحلفوا أن لا تصلوا قراباتكم المساكين والمهاجرين. وهذا في غاية الترفق والعطف على صلة الأرحام، ولهذا قال تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا﴾ أي عما تقدم منهم من الإساءة والأذى؟ وهذا من حلمه تعالى وكرمه ولطفه بخلقه مع ظلمهم لأنفسهم، وهذه الآية نزلت في الصديق ﵁ حين حلف أن لا ينفع مسطح بن أثاثة بنافعة بعد ما قال في عائشة ما قال، كما تقدم في الحديث.
فلما أنزل الله براءة أم المؤمنين عائشة، وطابت النفوس المؤمنة واستقرت، وتاب الله على من كان تكلم من المؤمنين في ذلك، وأقيم الحد على من أقيم عليه-شرع ﵎ وله الفضل والمنة، يعطف الصديق على قريبه ونسيبه وهو مسطح بن أثاثة، فإنه كان ابن خالة الصديق، وكان مسكينا لا مال له إلا ما ينفق عليه أبو بكر ﵁، وكان من المهاجرين في سبيل الله، وقد ولق ولقة تاب الله عليه منها وضرب الحد عليها، وكان الصديق ﵁ معروفا بالمعروف، له الفضل والأيادي على الأقارب والأجانب، فلما نزلت هذه الآية إلى قوله ﴿أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ﴾ الآية، فإن الجزاء من جنس العمل، فكما تغفر عن المذنب إليك نغفر لك، وكما تصفح نصفح عنك، فعند ذلك قال الصديق: بلى والله إنا نحب-يا ربنا- أن تغفر لنا ثم رجع إلى مسطح ما كان يصله من النفقة، وقال: والله لا أنزعها منه أبدا، في مقابلة ما كان، قال والله لا أنفعه بنافعة أبدا. فلهذا كان الصديق هو الصديق ﵁ وعن بنته.
هذا وعيد من الله تعالى للذين يرمون المحصنات الغافلات-خرج مخرج الغالب- المؤمنات فأمهات المؤمنين أولى بالدخول في هذا من كل محصنة، ولا سيما التي كانت سبب النزول، وهي عائشة بنت الصديق ﵄، وقد أجمع العلماء ﵏ قاطبة على