للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ﴾ [الأحقاف: ٢٨]، وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ﴾ [الصافات: ٢٥] مالكم اليوم لا تمانعون منا، هيهات ليس ذلك لكم اليوم، قال ابن جرير (١): وتأويل قوله: ﴿وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ يعني أنهم يومئذ لا ينصرهم ناصر كما لا يشفع لهم شافع، ولا يقبل منهم عدل ولا فدية، بطلت هنالك المحاباة، واضمحلت الرشا والشفاعات، وارتفع من القوم التناصر والتعاون، وصار الحكم إلى الجبار العدل الذي لا ينفع لديه الشفعاء والنصراء، فيجزي بالسيئة مثلها، وبالحسنة أضعافها، وذلك نظير قوله تعالى: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ. ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ﴾ [الصافات: ٢٤ - ٢٦]

﴿[سورة البقرة (٢)﴾: الآيات ٤٩ إلى ٥٠]

﴿وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٤٩) وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٠)

يقول تعالى: اذكروا يا بني إسرائيل نعمتي عليكم إذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب، أي خلصتكم منهم، وأنقذتكم من أيديهم صحبة موسى ، وقد كانوا يسومونكم أي يوردونكم ويذيقونكم ويولونكم سوء العذاب، وذلك أن فرعون لعنه الله كان قد رأى رؤيا هالته، رأى نارا خرجت من بيت المقدس فدخلت بيوت القبط ببلاد مصر إلا بيوت بني إسرائيل، مضمونها أن زوال ملكه يكون على يدي رجل من بني إسرائيل، ويقال بعد تحدّث سمّاره عنده بأن بني إسرائيل يتوقعون خروج رجل منهم يكون لهم به دولة ورفعة، وهكذا جاء في حديث الفتون كما سيأتي في موضعه في سورة طه إن شاء الله تعالى، فعند ذلك أمر فرعون لعنه الله بقتل كل ذكر يولد بعد ذلك من بني إسرائيل وأن تترك البنات، وأمر باستعمال بني إسرائيل في مشاق الأعمال وأرذلها، وهاهنا فسر العذاب بذبح الأبناء، وفي سورة إبراهيم عطف عليه كما قال: ﴿يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ﴾ وسيأتي تفسير ذلك في أول سورة القصص إن شاء الله تعالى، به الثقة والمعونة والتأييد. ومعنى يسومونكم:

يولونكم، قاله أبو عبيدة، كما يقال: سامه خطّة خسف إذا أولاه إياها، قال عمرو بن كلثوم: [الوافر] إذا ما الملك سام الناس خسفا … أبينا أن نقر الخسف فينا (٢)

وقيل معناه: يديمون عذابكم، [والسّوم: الدوام] (٣) كما يقال: سائمة الغنم من إدامتها الرعي، نقله القرطبي. وإنما قال هاهنا: ﴿يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ﴾ ليكون ذلك


(١) الطبري ١/ ٣٠٨.
(٢) البيت لعمرو بن كلثوم في ديوانه ص ٩١؛ والقرطبي ١/ ٣٨٤؛ وتفسير الرازي ٣/ ٦٣.
(٣) الزيادة من القرطبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>