للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك من الآيات.

﴿قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ أي ما أنا ضال ولكن أنا رسول من رب العالمين رب كل شيء ومليكه ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ وهذا شأن الرسول أن يكون مبلغا فصيحا ناصحا عالما بالله لا يدركهم أحد من خلق الله في هذه الصفات كما جاء في صحيح مسلم أن رسول الله قال لأصحابه يوم عرفة وهم أوفر ما كانوا وأكثر جمعا «أيها الناس إنكم مسؤولون عني فما أنتم قائلون؟» قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فجعل يرفع إصبعه إلى السماء وينكسها عليهم ويقول «اللهم اشهد اللهم اشهد» (١).

[[سورة الأعراف (٧): الآيات ٦٣ إلى ٦٤]]

﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٦٣) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ (٦٤)

يقول تعالى إخبارا عن نوح أنه قال لقومه ﴿أَوَعَجِبْتُمْ﴾ الآية، أي لا تعجبوا من هذا فإن هذا ليس بعجب أن يوحي الله إلى رجل منكم رحمة بكم ولطفا وإحسانا إليكم لينذركم ولتتقوا نقمة الله ولا تشركوا به ﴿وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ قال الله تعالى ﴿فَكَذَّبُوهُ﴾ أي تمادوا على تكذيبه ومخالفته وما آمن معه منهم إلا قليل كما نص عليه في موضع آخر ﴿فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ﴾ أي السفينة كما قال: ﴿فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ﴾ [العنكبوت: ١٥] ﴿وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ كما قال ﴿مِمّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً﴾ [نوح: ٢٥] وقوله ﴿إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ﴾ أي عن الحق لا يبصرونه ولا يهتدون له فبين تعالى في هذه القصة أنه انتقم لأوليائه من أعدائه وأنجى رسوله والمؤمنين وأهلك أعداءهم من الكافرين كقوله ﴿إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا﴾ [غافر: ٥١] الآية.

وهذه سنة الله في عباده في الدنيا والآخرة أن العاقبة فيها للمتقين والظفر والغلب لهم كما أهلك قوم نوح بالغرق ونجى نوحا وأصحابه المؤمنين وقال مالك عن زيد بن أسلم كان قوم نوح قد ضاق بهم السهل والجبل وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ما عذب الله قوم نوح إلا والأرض ملأى بهم وليس بقعة من الأرض إلا ولها مالك وحائز وقال ابن وهب بلغني عن ابن عباس أنه نجا مع نوح في السفينة ثمانون رجلا أحدهم جرهم وكان لسانه عربيا رواه ابن أبي حاتم وروي متصلا من وجه آخر عن ابن عباس .


(١) أخرجه مسلم في الحج حديث ١٤٧، وأبو داود في المناسك باب ٥٦، وابن ماجة في المناسك باب ٨٤، والدارمي في المناسك باب ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>