للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأنبياء وطرائقهم، فكما سلموا من آفات الاعوجاج أفضوا إلى دار السلام ﴿وَهُوَ وَلِيُّهُمْ﴾ أي حافظهم وناصرهم ومؤيدهم ﴿بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أي جزاء على أعمالهم الصالحة، تولاهم وأثابهم الجنة بمنه وكرمه.

[[سورة الأنعام (٦): آية ١٢٨]]

﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اِسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اِسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلاّ ما شاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٢٨)

يقول تعالى واذكر يا محمد فيما تقصه عليهم وتنذرهم به ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً﴾ يعني الجن وأولياءهم من الإنس الذين كانوا يعبدونهم في الدنيا، ويعوذون بهم ويطيعونهم، ويوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، ﴿يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ﴾ أي ثم يقول: يا معشر الجن، وسياق الكلام يدل على المحذوف، ومعنى قوله ﴿قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ﴾ أي من إغوائهم، وإضلالهم، كقوله تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ﴾ [يس: ٦٠ - ٦٢] وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﴿يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ﴾ يعني أضللتم منهم كثيرا (١)، وكذا قال مجاهد والحسن وقتادة، ﴿وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ﴾ يعني أن أولياء الجن من الإنس قالوا:

مجيبين لله تعالى عن ذلك بهذا.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو الأشهب هوذة بن خليفة، حدثنا عوف عن الحسن في هذه الآية، قال استكثرتم من أهل النار يوم القيامة، فقال أولياؤهم من الإنس: ربنا استمتع بعضنا ببعض، قال الحسن وما كان استمتاع بعضهم ببعض، إلا أن الجن أمرت وعملت الإنس.

وقال محمد بن كعب في قوله ﴿رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ﴾ قال الصحابة: في الدنيا.

وقال ابن جريج: كان الرجل في الجاهلية ينزل الأرض فيقول: أعوذ بكبير هذا الوادي، فذلك استمتاعهم فاعتذروا به يوم القيامة، وأما استمتاع الجن بالإنس فإنه كان فيما ذكر، ما ينال الجن من الإنس من تعظيمهم إياهم في استعانتهم بهم، فيقولون: قد سدنا الإنس والجن (٢).


(١) تفسير الطبري ٥/ ٣٤٢.
(٢) في تفسير الطبري ٥/ ٣٤٣: «قد سدنا الجنّ والحن» بجيم منقوطة في الأول وحاء مهملة في الثاني. وعبارة «وأما استمتاع الجن بالإنس … إلخ» هي لابن جرير مفصوله عن أثر ابن جريج الذي ينتهي عند قوله «يوم القيامة».

<<  <  ج: ص:  >  >>