للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: ﴿وَعَلاماتٍ﴾ أي دلائل من جبال كبار وآكام صغار ونحو ذلك، يستدل بها المسافرون برا وبحرا إذا ضلوا الطرق. وقوله: ﴿وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ أي في ظلام الليل، قاله ابن عباس، وعن مالك في قوله: ﴿وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ يقول: النجوم وهي الجبال، ثم نبه تعالى على عظمته وأنه لا تنبغي العبادة إلا له دون ما سواه من الأوثان التي لا تخلق شيئا بل هم يخلقون، ولهذا قال: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾.

ثم نبههم على كثرة نعمه عليهم وإحسانه إليهم، فقال: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أي يتجاوز عنكم، ولو طالبكم بشكر جميع نعمه لعجزتم عن القيام بذلك، ولو أمركم به لضعفتم وتركتم، ولو عذبكم لعذبكم وهو غير ظالم لكم، ولكنه غفور رحيم، يغفر الكثير ويجازي على اليسير، وقال ابن جرير (١): يقول إن الله لغفور لما كان منكم من تقصير في شكر بعض ذلك إذا تبتم وأنبتم إلى طاعته واتباع مرضاته، رحيم بكم لا يعذبكم بعد الإنابة والتوبة.

[[سورة النحل (١٦): الآيات ١٩ إلى ٢١]]

﴿وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ (١٩) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ (٢١)

يخبر تعالى أنه يعلم الضمائر والسرائر كما يعلم الظواهر، وسيجزي كل عامل بعمله يوم القيامة، إن خيرا فخير وإن شرا فشر. ثم أخبر أن الأصنام التي يدعونها من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون، كما قال الخليل: ﴿أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: ٩٥ - ٩٦]. وقوله: ﴿أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ﴾ أي هي جمادات لا أرواح فيها، فلا تسمع ولا تبصر ولا تعقل ﴿وَما يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ﴾ أي لا يدرون متى تكون الساعة، فكيف يرتجى عند هذه نفع أو ثواب أو جزاء؟ إنما يرجى ذلك من الذي يعلم كل شيء وهو خالق كل شيء.

[[سورة النحل (١٦): الآيات ٢٢ إلى ٢٣]]

﴿إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٢٢) لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (٢٣)

يخبر تعالى أنه لا إله هو الواحد الأحد الفرد الصمد، وأخبر أن الكافرين تنكر قلوبهم ذلك، كما أخبر عنهم متعجبين من ذلك ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ﴾ [ص:٥] وقال تعالى: ﴿وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [الزمر: ٤٥] وقوله: ﴿وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾ أي عن عبادة الله مع إنكار قلوبهم لتوحيده كما قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ﴾ [غافر:]


(١) تفسير الطبري ٧/ ٥٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>