للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الحجر: ٩٢ - ٩٣] ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ﴾ [المائدة: ١٠٩]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ﴾ [القصص: ٨٥] أي إن الذي أوجب عليك تبليغ القرآن لرادك إليه ومعيدك يوم القيامة وسائلك عن أداء ما فرض عليك. هذا أحد الأقوال، وهو متجه حسن.

[[سورة النحل (١٦): آية ٩٠]]

﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠)

يخبر تعالى أنه يأمر عباده بالعدل، وهو القسط والموازنة، ويندب إلى الإحسان، كقوله تعالى: ﴿وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ﴾ [النحل:١٢٦]، ﴿وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ﴾ [الشورى: ٤٠]، وقال:

﴿وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّارَةٌ لَهُ﴾ [المائدة: ٤٥] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على شرعية العدل والندب إلى الفضل. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ قال: شهادة أن لا إله إلا الله، وقال سفيان بن عيينة، العدل في هذا الموضع هو استواء السريرة والعلانية من كل عامل لله عملا، والإحسان أن تكون سريرته أحسن من علانيته، والفحشاء والمنكر أن تكون علانيته أحسن من سريرته.

وقوله: ﴿وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى﴾ أي يأمر بصلة الأرحام، كما قال: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً﴾ [الإسراء: ٢٦]. وقوله: ﴿وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ فالفواحش المحرمات، والمنكرات ما ظهر منها من فاعلها، ولهذا قال في الموضع الآخر: ﴿قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ﴾ [الأعراف: ٣٣] وأما البغي فهو العدوان على الناس، وقد جاء في الحديث «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله عقوبته في الدنيا مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم» (١).

وقوله: ﴿يَعِظُكُمْ﴾ أي يأمركم بما يأمركم به من الخير وينهاكم عما ينهاكم عنه من الشر ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ وقال الشعبي عن شتير بن شكل: سمعت ابن مسعود يقول: إن أجمع آية في القرآن في سورة النحل ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ﴾ الآية، رواه ابن جرير (٢)، وقال سعيد عن قتادة قوله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ﴾ الآية ليس من خلق حسن، كان أهل الجاهلية يعملون به ويستحسنونه إلا أمر الله به، وليس من خلق سيئ كانوا يتعايرونه بينهم، إلا نهى الله عنه وقدم فيه. وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامها. (قلت) ولهذا جاء في


(١) أخرجه أبو داود في الأدب باب ٤٣، والترمذي في القيامة باب ٥٧، وابن ماجة في الزهد باب ٢٣، وأحمد في المسند ٥/ ٣٦، ٣٨.
(٢) تفسير الطبري ٧/ ٦٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>