وقوله: ﴿وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ﴾ أي عاينوا عذاب الله وتقطعت بهم الحيل وأسباب الخلاص ولم يجدوا عن النار معدلا ولا مصرفا. قال عطاء عن ابن عباس ﴿وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ﴾ قال المودة، وكذا قال مجاهد في رواية ابن أبي نجيح (١).
وقوله: ﴿وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنّا﴾ أي لو أن لنا عودة إلى الدار الدنيا حتى نتبرأ من هؤلاء ومن عبادتهم، فلا نلتفت إليهم بل نوحد الله تعالى عنهم بذلك، ولهذا قال: ﴿كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ﴾ أي تذهب وتضمحل كما قال تعالى:
﴿وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً﴾ [الفرقان: ٢٣] وقال تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ﴾ [إبراهيم: ١٨]، وقال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً﴾ [النور: ٣٩]، ولهذا قال تعالى:
لما بين تعالى أنه لا إله إلا هو، وأنه المستقل بالخلق، شرع يبين أنه الرزاق لجميع خلقه، فذكر في مقام الامتنان أنه أباح لهم أن يأكلوا مما في الأرض في حال كونه حلالا من الله طيبا، أي مستطابا في نفسه غير ضار للأبدان ولا للعقول، ونهاهم عن اتباع خطوات الشيطان وهي طرائقه ومسالكه فيما أضلّ اتباعه فيه من تحريم البحائر والسوائب والوصائل ونحوها، مما كان زينه لهم في جاهليتهم، كما في حديث عياض بن حماد الذي في صحيح