للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَاوُدَ «١» .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ الْأُسُودِ بْنِ شَيْبَانَ عَنْ أَبِي نَوْفَلٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسائغ عنده الشعر؟

فقالت: قد كَانَ أَبْغَضَ الْحَدِيثِ إِلَيْهِ. وَقَالَ عَنْ عَائِشَةَ رضي عَنْهَا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الْجَوَامِعُ مِنَ الدُّعَاءِ، وَيَدَعُ مَا بَيْنَ ذَلِكَ: وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لِأَنَّ يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا» «٣» انفرد بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٤» : حَدَّثَنَا يزيد، حَدَّثَنَا قَزَعَةُ بْنُ سُوَيْدٍ الْبَاهِلِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ مَخْلَدٍ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ (ح) وحدثنا الأشيب، فقال عن أبي عَاصِمٍ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَضِ بَيْتَ شِعْرٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ،» وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ نَظْمُهُ لَا إِنْشَادُهُ، والله أعلم.

على أن الشعر مَا هُوَ مَشْرُوعٌ، وَهُوَ هِجَاءُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِي كَانَ يَتَعَاطَاهُ شُعَرَاءُ الْإِسْلَامِ، كَحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه، وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ وَأَمْثَالِهِمْ وَأَضْرَابِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، وَمِنْهُ مَا فِيهِ حِكَمٌ وَمَوَاعِظُ وَآدَابٌ، كَمَا يُوجَدُ فِي شِعْرِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمِنْهُمْ أُمَيَّةُ بن أبي الصلت الذي قال فِيهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آمَنَ شِعْرُهُ، وَكَفَرَ قَلْبُهُ» وَقَدْ أَنْشَدَ بَعْضُ الصحابة رضي الله عنهم لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةَ بَيْتٍ يَقُولُ عَقِبَ كُلِّ بَيْتٍ «هِيهِ» يَعْنِي يَسْتَطْعِمُهُ، فَيَزِيدُهُ مِنْ ذَلِكَ «٥» ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَبُرَيْدَةَ بْنِ الحصيب وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا، وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا» «٦» وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما علمه الله الشعر وَما يَنْبَغِي لَهُ أَيْ وَمَا يَصْلُحُ لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ أَيْ مَا هَذَا الَّذِي عَلَّمْنَاهُ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ أَيْ بَيِّنٌ وَاضِحٌ جَلِيٌّ لِمَنْ تَأْمَّلَهُ وتدبره، ولهذا قال تعالى: لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا


(١) كتاب الطب باب ١٠.
(٢) المسند ٦/ ١٤٨.
(٣) أخرجه أبو داود في الأدب باب ٨٧.
(٤) المسند ٤/ ١٢٥.
(٥) أخرجه مسلم في الشعر حديث ١، وابن ماجة في الأدب باب ٤١، وأحمد في المسند ٤/ ٣٨٨، ٣٨٩، ٣٩٠.
(٦) أخرجه أبو داود في الأدب باب ٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>