للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا﴾ قال السدي: يعني الموت، ﴿قالَ النّارُ مَثْواكُمْ﴾ أي مأواكم ومنزلكم أنتم وإياهم وأولياؤكم، ﴿خالِدِينَ فِيها﴾ أي ماكثين فيها مكثا مخلدا إلا ما شاء الله، قال بعضهم: يرجع معنى الاستثناء إلى البرزخ، وقال بعضهم: هذا رد إلى مد الدنيا، وقيل غير ذلك من الأقوال التي سيأتي تقريرها، عند قوله تعالى في سورة هود، ﴿خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِما يُرِيدُ﴾ [الأنعام:١٠٧].

وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيره هذه الآية، من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي حاتم بن أبي طلحة، عن ابن عباس، ﴿قالَ النّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلاّ ما شاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ قال: إن هذه الآية آية لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه ولا ينزلهم جنة ولا نارا (١).

[[سورة الأنعام (٦): آية ١٢٩]]

﴿وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٢٩)

قال سعيد عن قتادة في تفسيرها: إنما يولي الله الناس بأعمالهم، فالمؤمن وليّ المؤمن أين كان وحيث كان، والكافر وليّ الكافر أينما كان وحيثما كان، وليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي واختاره ابن جرير (٢)، وقال معمر عن قتادة في تفسير الآية: يولي الله بعض الظالمين بعضا في النار، يتبع بعضهم بعضا (٣). وقال مالك بن دينار: قرأت في الزبور، إني أنتقم من المنافقين بالمنافقين، ثم أنتقم من المنافقين جميعا، وذلك في كتاب الله قول الله تعالى: ﴿وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظّالِمِينَ بَعْضاً﴾ وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: في قوله ﴿وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظّالِمِينَ بَعْضاً﴾ قال: ظالمي الجن وظالمي الإنس، وقرأ ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ [الزخرف: ٣٦] قال: ونسلط ظلمة الجن على ظلمة الإنس (٤)، وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الباقي بن أحمد، من طريق سعيد بن عبد الجبار الكرابيسي، عن حماد بن سلمة، عن عاصم، عن ذر، عن ابن مسعود، مرفوعا «من أعان ظالما سلطه الله عليه» وهذا حديث غريب، وقال بعض الشعراء: [الطويل] وما من يد إلا يد الله فوقها … ولا ظالم إلا سيبلى بظالم

ومعنى الآية الكريمة: كما ولينا هؤلاء الخاسرين من الإنس تلك الطائفة التي أغوتهم من الجن، كذلك نفعل بالظالمين نسلط بعضهم على بعض ونهلك بعضهم ببعض وننتقم من


(١) تفسير الطبري ٥/ ٣٤٣ - ٣٤٤.
(٢) تفسير الطبري ٥/ ٣٤٤.
(٣) المصدر السابق.
(٤) المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>