للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن بابهم، فإن للناس حاجات ولهم أشغال، والله أولى بالعذر.

وقال مقاتل بن حيان في قوله ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها﴾ كان الرجل في الجاهلية إذا لقي صاحبه لا يسلم عليه ويقول:

حييت صباحا وحييت مساء، وكان ذلك تحية القوم بينهم، وكان أحدهم ينطلق إلى صاحبه فلا يستأذن حتى يقتحم ويقول: قد دخلت، ونحو ذلك، فيشق ذلك على الرجل ولعله يكون مع أهله فغير الله ذلك كله في ستر وعفة، وجعله نقيا نزها من الدنس والقذر والدرن، فقال تعالى:

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها﴾ الآية، وهذا الذي قاله مقاتل: حسن، ولهذا قال تعالى: ﴿ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ يعني الاستئذان خير لكم بمعنى هو خير من الطرفين للمستأذن ولأهل البيت ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.

وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتّى يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ وذلك لما فيه من التصرف في ملك الغير بغير إذنه، فإن شاء أذن، وإن شاء لم يأذن، ﴿وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ﴾ أي إذا ردوكم من الباب قبل الإذن أو بعده ﴿فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ﴾ أي رجوعكم أزكى لكم وأطهر ﴿وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ وقال قتادة: قال بعض المهاجرين لقد طلبت عمري كله هذه الآية، فما أدركتها أن أستأذن على بعض إخواني فيقول لي ارجع، فأرجع وأنا مغتبط ﴿وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ وقال سعيد بن جبير ﴿وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا﴾ الآية أي لا تقفوا على أبواب الناس.

وقوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ﴾ الآية، هذه الآية الكريمة أخص من التي قبلها وذلك أنها تقتضي جواز الدخول إلى البيوت التي ليس فيها أحد إذا كان له متاع فيها بغير إذن، كالبيت المعد للضيف إذا أذن له فيه أول مرة كفى. قال ابن جريج: قال ابن عباس ﴿لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ﴾ ثم نسخ واستثنى، فقال تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ﴾ وكذا روي عن عكرمة والحسن البصري، وقال آخرون: هي بيوت التجار كالخانات ومنازل الأسفار وبيوت مكة وغير ذلك، واختار ذلك ابن جرير وحكاه عن جماعة، والأول أظهر، والله أعلم. وقال مالك عن زيد بن أسلم: هي بيوت الشعر.

[[سورة النور (٢٤): آية ٣٠]]

﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (٣٠)

هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد، فليصرف بصره عنه سريعا، كما رواه مسلم في صحيحه من حديث يونس بن عبيد عن عمرو بن سعيد عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن جده جرير بن عبد الله

<<  <  ج: ص:  >  >>