أي يودون لو تكفرون بما أنزل عليكم أيها المؤمنون وتتركون ما أنتم عليه من الهدى والعلم النافع، ﴿وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ﴾ أي هو أعلم بهم ويحذركم منهم، ﴿وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً﴾ أي كفى به وليا لمن لجأ إليه ونصيرا لمن استنصره.
ثم قال تعالى: ﴿مِنَ الَّذِينَ هادُوا﴾ «من» في هذا لبيان الجنس كقوله ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ﴾ [الحج: ٣٠]، وقوله ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ﴾ [النساء: ٤٦] أي يتأولون الكلام على غير تأويله، ويفسرونه بغير مراد الله ﷿ قصدا منهم وافتراء ﴿وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا﴾ أي يقولون سمعنا ما قلته يا محمد ولا نطيعك فيه، هكذا فسره مجاهد وابن زيد، وهو المراد، وهذا أبلغ في كفرهم وعنادهم وأنهم يتولون عن كتاب الله بعد ما عقلوه وهم يعلمون ما عليهم في ذلك من الإثم والعقوبة، وقوله ﴿وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ﴾ أي اسمع ما نقول، لا سمعت، رواه الضحاك عن ابن عباس، وقال مجاهد والحسن: واسمع غير مقبول منك، قال ابن جرير: والأول أصح، وهو كما قال: وهذا استهزاء منهم واستهتار، عليهم لعنة الله، ﴿وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ﴾ أي يوهمون أنهم يقولون: راعنا سمعك بقولهم راعنا، وإنما يريدون الرعونة بسبهم النبي، وقد تقدم الكلام على هذا عند قوله ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا﴾ [البقرة: ١٠٤] ولهذا قال تعالى عن هؤلاء اليهود الذين يريدون بكلامهم خلاف ما يظهرونه ﴿لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ﴾، يعني بسبهم النبي ﷺ، ثم قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاّ قَلِيلاً﴾ أي قلوبهم مطرودة عن الخير مبعدة منه، فلا يدخلها من الإيمان شيء نافع لهم، وقد تقدم الكلام على قوله تعالى: ﴿فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: ٨٨] والمقصود أنهم لا يؤمنون إيمانا نافعا.
يقول تعالى آمرا أهل الكتاب بالإيمان بما نزل على عبده ورسوله محمد ﷺ من الكتاب العظيم الذي فيه تصديق الأخبار التي بأيديهم من البشارات، ومتهددا لهم إن لم يفعلوا بقوله:
﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها﴾ قال بعضهم: معناه من قبل أن نطمس وجوها، فطمسها هو ردها إلى الأدبار وجعل أبصارهم من ورائهم، ويحتمل أن يكون المراد:
من قبل أن نطمس وجوها فلا نبقي لها سمعا ولا بصرا ولا أثرا، ومع ذلك نردها إلى ناحية الأدبار.
قال العوفي عن ابن عباس في الآية وهي ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً﴾ وطمسها أن تعمى