للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فغضب ابن عباس فأخذ بيد معاوية فانطلق به إلى سعد بن مالك الزهري، فقال له: يا أبا إسحاق هل تذكر يوم حدثنا رسول الله عن قتيل موسى الذي قتل من آل فرعون؟ الإسرائيلي الذي أفشى عليه أم الفرعوني؟ قال: إنما أفشى عليه الفرعوني بما سمع من الإسرائيلي الذي شهد على ذلك وحضره.

وهكذا رواه النسائي في السنن الكبرى، وأخرجه أبو جعفر بن جرير (١) وابن أبي حاتم في تفسيريهما، كلهم من حديث يزيد بن هارون به، وهو موقوف من كلام ابن عباس، وليس فيه مرفوع إلا قليل منه، وكأنه تلقاه ابن عباس مما أبيح نقله من الإسرائيليات عن كعب الأحبار، أو غيره، والله أعلم، وسمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول ذلك أيضا. وقوله ﷿:

[[سورة طه (٢٠): الآيات ٤٠ إلى ٤٤]]

﴿إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (٤٠) وَاِصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١) اِذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (٤٢) اِذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (٤٤)

يقول تعالى مخاطبا لموسى : إنه لبث مقيما في أهل مدين فارا من فرعون وملئه، يرعى على صهره حتى انتهت المدة وانقضى الأجل، ثم جاء موافقا لقدر الله وإرادته من غير ميعاد، والأمر كله لله ، وهو المسير عباده وخلقه فيما يشاء، ولهذا قال: ﴿ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى﴾ قال مجاهد: أي على موعد. وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله: ﴿ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى﴾ قال: على قدر الرسالة والنبوة (٢). وقوله:

﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾ أي اصطفيتك واجتبيتك رسولا لنفسي أي كما أريد وأشاء.

وقال البخاري عند تفسيرها: حدثنا الصلت بن محمد، حدثنا مهدي بن ميمون، حدثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن رسول الله قال: «التقى آدم وموسى فقال موسى: أنت الذي أشقيت الناس وأخرجتهم من الجنة، فقال آدم: وأنت الذي اصطفاك الله برسالته واصطفاك لنفسه وأنزل عليك التوراة؟ قال: نعم، قال فوجدته مكتوبا عليّ قبل أن يخلقني، قال: نعم فحج آدم موسى» (٣) أخرجاه.

وقوله: ﴿اِذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي﴾ أي بحججي وبراهيني ومعجزاتي ﴿وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي﴾ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: لا تبطئا، وقال مجاهد عن ابن عباس: لا تضعفا، والمراد أنهما لا يفتران في ذكر الله، بل يذكران الله في حال مواجهة فرعون، ليكون ذكر الله عونا لهما عليه، وقوة لهما وسلطانا كاسرا له، كما جاء في الحديث «إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني


(١) تفسير الطبري ٨/ ٤١٥، ٤١٦، ٤١٧، وانظر الدر المنثور ٤/ ٥٣٠ - ٥٣٦.
(٢) انظر تفسير الطبري ٨/ ٤١٨.
(٣) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٢٠، باب ١، ٣، ومسلم في القدر حديث ١٣، ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>