إليه ابن جريج وهو اختيار ابن جرير (١)، وعن ابن عباس ﵄ متقلبكم في الدنيا ومثواكم في الآخرة، وقال السدي متقلبكم في الدنيا ومثواكم في قبوركم، والأول أولى وأظهر، والله أعلم.
يقول تعالى مخبرا عن المؤمنين أنهم تمنوا شرعية الجهاد، فلما فرضه الله ﷿ وأمر به نكل عنه كثير من الناس كقوله ﵎: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾ [النساء: ٧٧] وقال ﷿ هاهنا: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ﴾ أي مشتملة على حكم القتال ولهذا قال: ﴿فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ﴾ أي من فزعهم ورعبهم وجبنهم من لقاء الأعداء، ثم قال مشجعا لهم ﴿فَأَوْلى لَهُمْ طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ﴾ أي وكان الأولى بهم أن يسمعوا ويطيعوا أي في الحالة الراهنة ﴿فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ﴾ أي جد الحال، وحضر القتال ﴿فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ﴾ أي خلصوا له النية ﴿لَكانَ خَيْراً لَهُمْ﴾.
وقوله ﷾: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ﴾ أي عن الجهاد ونكلتم عنه ﴿أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ﴾ أي تعودوا إلى ما كنتم فيه من الجاهلية الجهلاء تسفكون الدماء وتقطعون الأرحام، ولهذا قال تعالى: ﴿أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ﴾ وهذا نهي عن الإفساد في الأرض عموما، وعن قطع الأرحام خصوصا، بل قد أمر الله تعالى بالإصلاح في الأرض وصلة الأرحام، وهو الإحسان إلى الأقارب في المقال والأفعال وبذل الأموال، وقد وردت الأحاديث الصحاح والحسان بذلك عن رسول الله ﷺ من طرق عديدة ووجوه كثيرة.
قال البخاري: حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا سليمان، حدثني معاوية بن أبي مزرد عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: «خلق الله تعالى الخلق فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقوى الرحمن ﷿ فقال مه، فقالت هذا مقام العائذ بك من