للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة الكهف (١٨): الآيات ٧٧ إلى ٧٨]]

﴿فَانْطَلَقا حَتّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اِسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (٧٧) قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٧٨)

يقول تعالى مخبرا عنهما إنهما انطلقا بعد المرتين الأوليين ﴿حَتّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ﴾ روى ابن جرير عن ابن سيرين أنها الأيلة، وفي الحديث «حتى إذا أتيا أهل قرية لئاما» (١) أي بخلاء ﴿اِسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾ إسناد الإرداة هاهنا إلى الجدار على سبيل الاستعارة، فإن الإرادة في المحدثات بمعنى الميل، والانقضاض هو السقوط. وقوله: ﴿فَأَقامَهُ﴾ أي فرده إلى حالة الاستقامة، وقد تقدم في الحديث أنه رده بيديه ودعمه حتى رد ميله، وهذا خارق، فعند ذلك قال موسى له ﴿لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً﴾ أي لأجل أنهم لم يضيفونا، كان ينبغي أن لا تعمل لهم مجانا ﴿قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ﴾ أي لأنك شرطت عند قتل الغلام أنك إن سألتني عن شيء بعدها، فلا تصاحبني فهو فراق بيني وبينك ﴿سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ﴾ أي بتفسير ﴿ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً﴾.

[[سورة الكهف (١٨): آية ٧٩]]

﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (٧٩)

هذا تفسير ما أشكل أمره على موسى ، وما كان أنكر ظاهره، وقد أظهر الله الخضر على حكمة باطنة، فقال: إن السفينة إنما خرقتها لأعيبها لأنهم كانوا يمرون بها على ملك من الظلمة ﴿يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ﴾ صالحة أي جيدة ﴿غَصْباً﴾ فأردت أن أعيبها لأرده عنها لعيبها، فينتفع بها أصحابها المساكين الذين لم يكن لهم شيء ينتفعون به غيرها، وقد قيل إنهم أيتام، وروى ابن جريج عن وهب بن سليمان، عن شعيب الجبائي أن اسم الملك هدد بن بدد (٢)، وقد تقدم أيضا في رواية البخاري، وهو مذكور في التوراة في ذرية العيص بن إسحاق وهو من الملوك المنصوص عليهم في التوراة، والله أعلم.

[[سورة الكهف (١٨): الآيات ٨٠ إلى ٨١]]

﴿وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (٨٠) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (٨١)

قد تقدم أن هذا الغلام كان اسمه جيسور. وفي هذا الحديث عن ابن عباس عن أبي بن كعب، عن النبي قال: «الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافرا» رواه ابن جرير من حديث ابن إسحاق عن سعيد عن ابن عباس به، ولهذا قال: ﴿فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً﴾ أي يحملهما حبه على متابعته على الكفر، قال قتادة: قد فرح به أبواه حين ولد، وحزنا عليه حين قتل، ولو بقي لكان فيه هلاكهما، فليرض امرؤ بقضاء الله، فإن


(١) أخرجه أحمد في المسند ٥/ ١١٩.
(٢) انظر تفسير الطبري ٨/ ٢٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>