يقول تعالى مخبرا عن استعجال قوم نوح نقمة الله وعذابه وسخطه، والبلاء موكل بالمنطق. ﴿قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا﴾ أي حاججتنا فأكثرت من ذلك ونحن لا نتبعك ﴿فَأْتِنا بِما تَعِدُنا﴾ أي من النقمة والعذاب ادع علينا بما شئت فليأتنا ما تدعو به ﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ أي إنما الذي يعاقبكم ويعجلها لكم الله الذي لا يعجزه شيء ﴿وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ﴾ أي أي شيء يجدي عليكم إبلاغي لكم وإنذاري إياكم ونصحي ﴿إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ﴾ أي إغواؤكم ودماركم ﴿هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ أي هو مالك أزمة الأمور المتصرف الحاكم العادل الذي لا يجور، له الخلق وله الأمر وهو المبدئ المعيد مالك الدنيا والآخرة.
هذا كلام معترض في وسط هذه القصة مؤكد لها. مقرر لها يقول تعالى لمحمد: أم يقول هؤلاء الكافرون الجاحدون افترى هذا وافتعله من عنده ﴿قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي﴾ أي فإثم ذلك علي ﴿وَأَنَا بَرِيءٌ مِمّا تُجْرِمُونَ﴾ أي ليس ذلك مفتعلا ولا مفترى لأني أعلم ما عند الله من العقوبة لمن كذب عليه.
يخبر تعالى أنه أوحى إلى نوح لما استعجل قومه نقمة الله بهم وعذابه لهم فدعا عليهم نوح دعوته التي قال الله تعالى مخبرا عنه أنه قال: ﴿رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً﴾ [نوح: ٢٦] ﴿فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾ [القمر: ١٠] فعند ذلك أوحى الله إليه ﴿أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاّ مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ فلا تحزن عليهم ولا يهمنك أمرهم ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ﴾ يعني السفينة ﴿بِأَعْيُنِنا﴾ أي بمرأى منا ﴿وَوَحْيِنا﴾ أي تعليمنا لك ما تصنعه ﴿وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾ فقال بعض السلف: أمره الله تعالى أن يغرز الخشب ويقطعه وييبسه فكان ذلك في مائة سنة ونجرها في مائة سنة أخرى وقيل في أربعين سنة والله أعلم. وذكر محمد بن