للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرسل ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم» (١) وقوله: ﴿فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ أي فمن أهل الجمع شقي ومنهم سعيد كما قال ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ [الشورى: ٧] وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده: حدثنا موسى بن حيّان حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا سليمان أبو سفيان حدثنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن عمر قال: لما نزلت ﴿فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ سألت النبي فقلت يا رسول الله: علام نعمل؟ على شيء قد فرغ منه أم على شيء لم يفرغ منه، فقال: «على شيء قد فرغ منه يا عمر وجرت به الأقلام، ولكن كل ميسر لما خلق له» ثم بيّن تعالى حال الأشقياء وحال السعداء فقال:

[[سورة هود (١١): الآيات ١٠٦ إلى ١٠٧]]

﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِما يُرِيدُ (١٠٧)

يقول تعالى ﴿لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ﴾ قال ابن عباس الزفير في الحلق والشهيق في الصدر أي تنفسهم زفير وأخذهم النفس شهيق، لما هم فيه من العذاب عياذا بالله من ذلك ﴿خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ﴾ قال الإمام أبو جعفر بن جرير (٢): من عادة العرب إذا أرادت أن تصف الشيء بالدوام أبدا قالت هذا دائم دوام السموات والأرض، وكذلك يقولون هو باق ما اختلف الليل والنهار، وما سمر أبناء سمير وما لألأت العير بأذنابها يعنون بذلك كله أبدا فخاطبهم جل ثناؤه بما يتعارفونه بينهم فقال: ﴿خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ﴾.

(قلت): ويحتمل أن المراد بما دامت السموات والأرض الجنس لأنه لا بد في عالم الآخرة من سموات وأرض كما قال تعالى ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ﴾ [إبراهيم: ٤٨] ولهذا قال الحسن البصري في قوله: ﴿ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ﴾ قال: يقول: سماء غير هذه السماء وأرض غير هذه فما دامت تلك السماء وتلك الأرض.

وقال ابن أبي حاتم ذكر عن سفيان بن حسين عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس قوله:

﴿ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ﴾ قال: لكل جنة سماء وأرض، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ما دامت الأرض أرضا والسماء سماء. وقوله ﴿إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِما يُرِيدُ﴾ كقوله ﴿النّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلاّ ما شاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام: ١٢٨].

وقد اختلف المفسرون في المراد من هذا الاستثناء على أقوال كثيرة حكاها الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في كتابه زاد المسير، وغيره من علماء التفسير، ونقل كثيرا منها الإمام أبو جعفر بن جرير في كتابه واختار هو ما نقله عن خالد بن معدان والضحاك وقتادة وابن سنان ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن أيضا أن الاستثناء عائد على العصاة من أهل التوحيد ممن يخرجهم الله من


(١) أخرجه البخاري في الأذان باب ١٢٩، ومسلم في الإيمان حديث ٢٩٩.
(٢) تفسير الطبري ٧/ ١١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>