للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحثهم تعالى على الاشتغال بما ينفعهم، وتعود عليهم عاقبته يوم القيامة، من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، حتى يمكن لهم الله النصر في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ﴾ [غافر: ٥٢]، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾، يعني أنه تعالى لا يغفل عن عمل عامل، ولا يضيع لديه سواء كان خيرا أو شرا، فإنه سيجازي كل عامل بعمله. وقال أبو جعفر بن جرير (١): في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾، هذا الخبر من الله للذين خاطبهم بهذه الآيات من المؤمنين، إنهم مهما فعلوا من خير أو شر، سرا وعلانية، فهو به بصير لا يخفى عليه منه شيء، فيجزيهم بالإحسان خيرا، وبالإساءة مثلها، وهذا الكلام وإن كان قد خرج مخرج الخبر، فإن فيه وعدا ووعيدا وأمرا وزجرا، وذلك أنه أعلم القوم، أنه بصير بجميع أعمالهم، ليجدوا في طاعته إذ كان ذلك مذخورا لهم عنده، حتى يثيبهم عليه، كما قال تعالى: ﴿وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ﴾، وليحذروا معصيته، قال: وأما قوله ﴿بَصِيرٌ﴾ فإنه مبصر، صرف إلى بصير، كما صرف مبدع إلى بديع، ومؤلم إلى أليم، والله أعلم. وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبو زرعة، أخبرنا ابن بكير، حدثني ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر، قال: سمعت رسول الله ، وهو يقرأ هذه الآية: «سميع بصير»، يقول «بكل شيء بصير».

[[سورة البقرة (٢): الآيات ١١١ إلى ١١٣]]

﴿وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١١١) بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١١٢) وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١١٣)

يبين تعالى اغترار اليهود والنصارى بما هم فيه، حيث ادعت كل طائفة من اليهود والنصارى، أنه لن يدخل الجنة إلا من كان على ملتها، كما أخبر الله عنهم في سورة المائدة، أنهم قالوا:

﴿نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبّاؤُهُ﴾ [المائدة: ١٨] فأكذبهم الله تعالى بما أخبرهم أنه معذبهم بذنوبهم.

ولو كانوا كما ادعوا، لما كان الأمر كذلك، وكما تقدم من دعواهم، أنه لن تمسهم النار إلا أياما معدودة، ثم ينتقلون إلى الجنة، ورد عليهم تعالى في ذلك، وهكذا قال لهم في هذه الدعوى التي ادعوها بلا دليل ولا حجة ولا بينة، فقال: ﴿تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ﴾. وقال أبو العالية: أماني تمنوها على الله بغير حق، وكذا قال قتادة والربيع بن أنس.

ثم قال تعالى ﴿قُلْ﴾ أي يا محمد ﴿هاتُوا بُرْهانَكُمْ﴾ قال أبو العالية ومجاهد والسدي


(١) تفسير الطبري ١/ ٥٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>