عباس ﵄ قال ابن مسعود ﵁: البطشة الكبرى يوم بدر وأنا أقول هي يوم القيامة، وهذا إسناد صحيح عنه وبه يقول الحسن البصري وعكرمة في أصح الروايتين عنه، والله أعلم.
يقول تعالى: ولقد اختبرنا قبل هؤلاء المشركين قوم فرعون وهم قبط مصر ﴿وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ﴾ يعني موسى كليمه ﵊ ﴿أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ﴾ كقوله ﷿:
﴿فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى﴾ [طه: ٤٧]. وقوله جل وعلا: ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾ أي مأمون على ما أبلغكموه. وقوله تعالى: ﴿وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ﴾ أي لا تستكبروا عن اتباع آياته والانقياد لحججه والإيمان ببراهينه كقوله ﷿: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ﴾ [غافر:٦٠] ﴿إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ﴾ أي بحجة ظاهرة واضحة وهي ما أرسله الله تعالى به من الآيات البينات والأدلة القاطعة.
﴿وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ﴾ قال ابن عباس ﵄ وأبو صالح: هو الرجم باللسان وهو الشتم. وقال قتادة: الرجم بالحجارة أي أعوذ بالله الذي خلقني وخلقكم من أن تصلوا إلي بسوء من قول أو فعل ﴿وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ﴾ أي فلا تتعرضوا لي ودعوا الأمر بيني وبينكم مسالمة إلى أن يقضي الله بيننا. فلما طال مقامه ﷺ بين أظهرهم وأقام حجج الله تعالى عليهم. كل ذلك وما زادهم ذلك إلا كفرا وعنادا، دعا ربه عليهم دعوة نفذت فيهم كما قال ﵎: ﴿وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما﴾ [يونس: ٨٨ - ٨٩] وهكذا قال هاهنا: ﴿فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ﴾ فعند ذلك أمره الله تعالى أن يخرج ببني إسرائيل من بين أظهرهم من غير أمر فرعون ومشاورته واستئذانه ولهذا قال ﷻ: ﴿فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ﴾ كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ