للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

، ثم ليعلم أن أكثر ما يتحدثون به غالبه كذب وبهتان، لأنه قد دخله تحريف وتبديل وتغيير وتأويل، وما أقل الصدق فيه، ثم ما أقل فائدة كثير منه لو كان صحيحا.

قال ابن جرير (١): حدثنا ابن بشار، حدثنا أبو عاصم، أخبرنا سفيان عن سليمان بن عامر عن عمارة بن عمير عن حريث بن ظهير عن عبد الله-هو ابن مسعود-قال: لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل، فإنه ليس أحد من أهل الكتاب إلا وفي قلبه تالية تدعوه إلى دينه كتالية المال.

وقال البخاري (٢): حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم بن سعد، أخبرنا ابن شهاب عن عبد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل إليكم على رسول الله أحدث تقرؤونه محضا لم يشب، وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا وغيروا وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا، ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟ لا والله ما رأينا منهم رجلا يسألكم عن الذي أنزل عليكم.

وقال البخاري (٣): وقال أبو اليمان: أخبرنا شعيب عن الزهري، أخبرني حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة، وذكر كعب الأحبار، فقال: إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب.

(قلت) معناه أنه يقع منه الكذب لغة من غير قصد، لأنه يحدث عن صحف يحسن بها الظن، وفيها أشياء موضوعة ومكذوبة، لأنهم لم يكن في ملتهم حفاظ متقنون كهذه الأمة العظيمة، ومع ذلك وقرب العهد، وضعت أحاديث كثيرة في هذه الأمة لا يعلمها إلا الله ﷿، ومن منحه الله تعالى علما بذلك كل بحسبه، ولله الحمد والمنة.

[[سورة العنكبوت (٢٩): الآيات ٤٧ إلى ٤٩]]

﴿وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ (٤٧) وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨) بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظّالِمُونَ (٤٩)

قال ابن جرير (٤): يقول الله تعالى كما أنزلنا الكتب على من قبلك يا محمد من الرسل، كذلك أنزلنا إليك هذا الكتاب، وهذا الذي قاله حسن ومناسبته وارتباطه جيد. وقوله تعالى:


(١) تفسير الطبري ١٠/ ١٥١.
(٢) كتاب الاعتصام باب ٢٥، والتوحيد باب ٤٢.
(٣) كتاب الاعتصام باب ٢٥.
(٤) تفسير الطبري ١٠/ ١٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>