للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ أَيْ مَلَكٌ يَسُوقُهُ إِلَى الْمَحْشَرِ وَمَلَكٌ يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِأَعْمَالِهِ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنَ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ ثُمَّ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنِ يَحْيَى بْنِ رَافِعٍ مَوْلًى لِثَقِيفٍ قال: سمعت عثمان بن عفان رضي الله عنه يَخْطُبُ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ فَقَالَ سَائِقٌ يَسُوقُهَا إِلَى الله تعالى وَشَاهِدٌ يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِمَا عَمِلَتْ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مَوْلَى أَشْجَعَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: السَّائِقُ الْمَلَكُ وَالشَّهِيدُ الْعَمَلُ، وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ والسدي، وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: السَّائِقُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالشَّهِيدُ الْإِنْسَانُ نَفْسُهُ، يَشْهَدُ عَلَى نَفْسِهِ، وَبِهِ قَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ أَيْضًا.

وَحَكَى ابْنُ جَرِيرٍ «١» ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ فِي المراد بهذا الخطاب في قوله تعالى: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [أَحَدُهَا] أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْكَافِرُ، رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَبِهِ يَقُولُ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ. [وَالثَّانِي] أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ لِأَنَّ الْآخِرَةَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الدُّنْيَا كَالْيَقِظَةِ، وَالدُّنْيَا كَالْمَنَامِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ، وَنَقَلَهُ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بن عباس رضي الله عنهما. [وَالثَّالِثُ] أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ يَقُولُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَابْنُهُ، وَالْمَعْنَى عَلَى قَوْلِهِمَا: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا الشَّأْنِ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْكَ، فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ بِإِنْزَالِهِ إِلَيْكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ.

وَالظَّاهِرُ مِنَ السِّيَاقِ خِلَافُ هَذَا بَلِ الْخِطَابُ مَعَ الْإِنْسَانِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، والمراد بقوله تعالى: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا يَعْنِي مِنْ هَذَا الْيَوْمِ فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ أي قوي لأن كل أحد يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ مُسْتَبْصِرًا حَتَّى الْكُفَّارُ فِي الدُّنْيَا، يَكُونُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ، لَكِنْ لَا يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا [مَرْيَمَ: ٣٨] . وقال عز وجل: وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ [السجدة: ١٢] .

[سورة ق (٥٠) : الآيات ٢٣ الى ٢٩]

وَقالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٥) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (٢٦) قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٢٧)

قالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩)

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بِعَمَلِ ابْنِ آدَمَ أَنَّهُ يَشْهَدُ عليه يوم القيامة بما فعل


(١) تفسير الطبري ١١/ ٤٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>