للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا إخبار عن مآل السعداء في جنات عدن التي تجري فيها الأنهار في جميع فجاجها، ومحالها وأرجائها حيث شاءوا وأين أرادوا وهم خالدون فيها أبدا لا يحولون ولا يزولون ولا يبغون عنها حولا. وقوله: ﴿لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ﴾ أي من الحيض والنفاس والأذى والأخلاق الرذيلة، والصفات الناقصة، كما قال ابن عباس: مطهرة من الأقذار والأذى. وكذا قال عطاء والحسن والضحاك والنخعي وأبو صالح وعطية والسدي. وقال مجاهد: مطهرة من البول والحيض والنخام والبزاق والمني والولد. وقال قتادة: مطهرة من الأذى والمآثم، ولا حيض ولا كلف. وقوله ﴿وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً﴾ أي ظلا عميقا كثيرا غزيرا طيبا أنيقا. قال ابن جرير (١): حدثنا ابن بشار، حدثنا عبد الرحمن، وحدثنا ابن المثنى، حدثنا ابن جعفر، قالا: حدثنا شعبة، قال: سمعت أبا الضحاك يحدث عن أبي هريرة، عن النبي ، قال «إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها: شجرة الخلد».

[[سورة النساء (٤): آية ٥٨]]

﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (٥٨)

يخبر تعالى أنه يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها. وفي حديث الحسن عن سمرة أن رسول الله قال «أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك» رواه الإمام أحمد وأهل السنن، وهذا يعم جميع الأمانات الواجبة على الإنسان من حقوق الله ﷿ على عباده من الصلوات والزكوات والصيام والكفارات والنذور وغير ذلك مما هو مؤتمن عليه ولا يطلع عليه العباد، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض كالودائع وغير ذلك مما يأتمنون به بعضهم على بعض من غير اطلاع بينة على ذلك، فأمر الله ﷿ بأدائها، فمن لم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة، كما ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله قال «لتؤدن الحقوق إلى أهلها حتى يقتص للشاة الجماء من القرناء» (٢). وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، حدثنا وكيع عن سفيان، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن عبد الله بن مسعود، قال: إن الشهادة تكفر كل ذنب إلا الأمانة، يؤتى بالرجل يوم القيامة، وإن كان قتل في سبيل الله، فيقال: أد أمانتك، فيقول فأنى أؤديها وقد ذهبت الدنيا؟ فتمثل له الأمانة في قعر جهنم فيهوي إليها فيحملها على عاتقه، قال: فتنزل عن عاتقه فيهوي على أثرها أبد الآبدين.

قال زاذان: فأتيت البراء فحدثته، فقال: صدق أخي: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها﴾.

وقال سفيان الثوري عن ابن أبي ليلى، عن رجل عن ابن عباس في الآية، قال: هي مبهمة


(١) تفسير الطبري ٤/ ١٤٧.
(٢) مسند أحمد ٢/ ٢٣٥. والشاة الجماء: التي ذهب قرناها.

<<  <  ج: ص:  >  >>