هي مدنية، لأن صدرها إلى ثلاث وثمانين آية منها نزلت في وفد نجران وكان قدومهم في سنة تسع من الهجرة، كما سيأتي بيان ذلك عند تفسير آية المباهلة منها، إن شاء الله تعالى، وقد ذكرنا ما ورد في فضلها مع سورة البقرة أول البقرة.
قد ذكرنا الحديث الوارد في أن اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين ﴿اللهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ و ﴿الم اللهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ عند تفسير آية الكرسي وقد تقدم الكلام على قوله ﴿الم﴾ في أول سورة البقرة بما يغني عن إعادته، وتقدم الكلام على قوله: ﴿اللهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ في تفسير آية الكرسي.
وقوله تعالى: ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ﴾ يعني نزل عليك القرآن يا محمد بالحق، أي لا شك فيه ولا ريب، بل هو منزل من عند الله، أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا، وقوله: ﴿مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أي من الكتب المنزلة قبله من السماء على عباد الله الأنبياء، فهي تصدقه بما أخبرت به وبشرت في قديم الزمان، وهو يصدقها، لأنه طابق ما أخبرت به، وبشرت من الوعد من الله بإرسال محمد ﷺ وإنزال القرآن العظيم عليه. وقوله: ﴿وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ﴾ أي على موسى بن عمران، ﴿وَالْإِنْجِيلَ﴾ أي على عيسى ابن مريم ﵉، ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ أي من قبل هذا القرآن ﴿هُدىً لِلنّاسِ﴾ أي في زمانهما. ﴿وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ﴾ وهو الفارق بين الهدى والضلال، والحق والباطل، والغي والرشاد، بما يذكره الله تعالى من الحجج والبينات والدلائل الواضحات، والبراهين القاطعات، ويبينه ويوضحه ويفسره ويقرره ويرشد إليه وينبه عليه من ذلك.
وقال قتادة والربيع بن أنس: الفرقان-هاهنا-القرآن. واختار ابن جرير (١) أنه مصدر هاهنا لتقدم ذكر القرآن في قوله: ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ﴾ وهو القرآن. وأما ما رواه ابن أبي حاتم عن أبي صالح، أن المراد بالفرقان هاهنا التوراة، فضعيف أيضا لتقدم