للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويعافيهم» وفيهما «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» ثم قرأ رسول الله ﴿وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود: ١٠٢] وقال تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [الحج: ٤٨].

[[سورة النحل (١٦): الآيات ٤٨ إلى ٥٠]]

﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (٤٨) وَلِلّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٥٠)

يخبر تعالى عن عظمته وجلاله وكبريائه الذي خضع له كل شيء، ودانت له الأشياء والمخلوقات بأسرها: جماداتها وحيواناتها، ومكلفوها من الإنس والجن، والملائكة، فأخبر أن كل ما له ظل يتفيأ ذات اليمين وذات الشمال، أي بكرة وعشيا فإنه ساجد بظله لله تعالى.

قال مجاهد: إذا زالت الشمس سجد كل شيء لله ﷿ (١)، وكذا قال قتادة والضحاك وغيرهم، وقوله ﴿وَهُمْ داخِرُونَ﴾ أي صاغرون. وقال مجاهد أيضا: سجود كل شيء فيؤه، وذكر الجبال، قال: سجودها فيؤها. وقال أبو غالب الشيباني: أمواج البحر صلاته.

ونزلهم منزلة من يعقل إذ أسند السجود إليهم فقال: ﴿وَلِلّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ﴾ كما قال: ﴿وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ﴾. وقوله: ﴿وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ أي تسجد لله أي غير مستكبرين عن عبادته ﴿يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ أي يسجدون خائفين وجلين من الرب ﴿وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ﴾ أي مثابرين على طاعته تعالى وامتثال أوامره، وترك زواجره.

[[سورة النحل (١٦): الآيات ٥١ إلى ٥٥]]

﴿وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اِثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيّايَ فَارْهَبُونِ (٥١) وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ (٥٢) وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (٥٣) ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٥٤) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٥٥)

يخبر تعالى أنه لا إله إلا هو، وأنه لا ينبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له، فإنه مالك كل شيء وخالقه وربه ﴿وَلَهُ الدِّينُ واصِباً﴾ قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وميمون بن مهران والسدي وقتادة وغير واحد: أي دائما (٢)، وعن ابن عباس أيضا: أي واجبا. وقال مجاهد: أي خالصا له، أي له العبادة وحده ممن في السموات والأرض، كقوله: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ [آل عمران: ٨٢ - ٨٣] هذا على قول ابن عباس وعكرمة، فيكون من باب الخبر، وأما على قول مجاهد فإنه يكون من باب الطلب، أي


(١) انظر تفسير الطبري ٧/ ٥٩٣.
(٢) انظر تفسير الطبري ٧/ ٥٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>