للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له» (١). وقوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ﴾ أي هو المتصرف الفاعل لذلك بحكمته وعدله، فيوسع على قوم ويضيق على آخرين ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾.

[[سورة الروم (٣٠): الآيات ٣٨ إلى ٤٠]]

﴿فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَاِبْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٣٨) وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (٣٩) اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ (٤٠)

يقول تعالى آمرا بإعطاء ذي القربى حقه أي من البر والصلة، ﴿وَالْمِسْكِينَ﴾ وهو الذي لا شيء له ينفق عليه أو له شيء لا يقوم بكفايته، ﴿وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ وهو المسافر المحتاج إلى نفقة وما يحتاج إليه في سفره، ﴿ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ﴾ أي النظر إليه يوم القيامة وهو الغاية القصوى، ﴿وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ أي في الدنيا والآخرة. ثم قال تعالى:

﴿وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ﴾ أي من أعطى عطية يريد أن يرد عليه الناس أكثر مما أهدى لهم، فهذا لا ثواب له عند الله، بهذا فسره ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وعكرمة ومحمد بن كعب والشعبي، وهذا الصنيع مباح وإن كان لا ثواب فيه، إلا أنه قد نهى عنه رسول الله خاصة، قاله الضحاك، واستدل بقوله: ﴿وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ﴾ أي لا تعط العطاء تريد أكثر منه.

وقال ابن عباس: الربا رباءان: فربا لا يصح، يعني ربا البيع؟ وربا لا بأس به وهو هدية الرجل يريد فضلها، وأضعافها، ثم تلا هذه الآية ﴿وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ﴾ وإنما الثواب عند الله في الزكاة، ولهذا قال تعالى: ﴿وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ أي الذين يضاعف الله لهم الثواب والجزاء. كما جاء في الصحيح «وما تصدق أحد بعدل تمرة من كسب طيب إلا أخذها الرحمن بيمينه فيربيها لصاحبها، كما يربي أحدكم فلوّه أو فصيله حتى تصير التمرة أعظم من أحد» (٢).

وقوله ﷿: ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ﴾ أي هو الخالق الرزاق، يخرج الإنسان من بطن أمه عريانا لا علم له ولا سمع ولا بصر ولا قوة، ثم يرزقه جميع ذلك بعد ذلك والرياش واللباس والمال والأملاك والمكاسب. كما قال الإمام أحمد (٣): حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن سلام أبي شرحبيل عن حبة وسواء ابني خالد قالا: دخلنا على النبي وهو


(١) أخرجه أحمد في المسند ٤/ ٣٣٢، ٣٣٣، ٦/ ١٥، ١٦.
(٢) أخرجه البخاري في الزكاة باب ٨، والتوحيد باب ٢٣، ومسلم في الزكاة حديث ٦٣، ٦٤.
(٣) المسند ٣/ ٤٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>