للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أعدائكم الكفرة المعاندين.

[[سورة الأنفال (٨): الآيات ٤٣ إلى ٤٤]]

﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤٣) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ اِلْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤٤)

قال مجاهد: أراهم الله إياه في منامه قليلا، وأخبر النبي أصحابه بذلك، فكان تثبيتا لهم، وكذا قال ابن إسحاق وغير واحد، وحكى ابن جرير عن بعضهم، أنه رآهم بعينه التي ينام بها، وقد روى ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا أبو قتيبة، عن سهل السراج عن الحسن في قوله: ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً﴾ قال بعينك، وهذا القول غريب، وقد صرح بالمنام هاهنا، فلا حاجة إلى التأويل الذي لا دليل عليه.

وقوله: ﴿وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ﴾ أي لجبنتم عنهم، واختلفتم فيما بينكم، ﴿وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ﴾ أي من ذلك، بأن أراكهم قليلا ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ أي بما تكنه الضمائر وتنطوي عليه الأحشاء، ﴿يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر: ١٩] وقوله: ﴿وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً﴾ وهذا أيضا من لطفه تعالى بهم، إذ أراهم إياهم قليلا في رأي العين، فيجزؤهم عليهم ويطمعهم فيهم، قال أبو إسحاق السبيعي: عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود ، قال: لقد قللوا في أعيننا يوم بدر، حتى قلت لرجل إلى جنبي تراهم سبعين؟ قال: لا بل هم مائة، حتى أخذنا رجلا منهم فسألناه، فقال: كنا ألفا، رواه ابن أبي حاتم وابن جرير.

وقوله: ﴿وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ﴾ قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن الزبير بن الحارث عن عكرمة ﴿وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ﴾ الآية، قال: حضض بعضهم على بعض، إسناد صحيح، وقال محمد بن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه في قوله تعالى: ﴿لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً﴾ أي ليلقي بينهم الحرب للنقمة ممن أراد الانتقام منه، والإنعام على من أراد تمام النعمة عليه من أهل ولايته، ومعنى هذا أنه تعالى أغرى كلا من الفريقين بالآخر، وقلله في عينه ليطمع فيه، وذلك عند المواجهة، فلما التحم القتال وأيد الله المؤمنين بألف من الملائكة مردفين، بقي حزب الكفار يرى حزب الإيمان ضعفيه، كما قال تعالى: ﴿قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ﴾ [آل عمران: ١٣] وهذا هو الجمع بين هاتين الآيتين، فإن كلا منهما حق وصدق، ولله الحمد والمنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>