للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي مكة وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: «جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا. جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد» (١) وكذا رواه البخاري أيضا في غير هذا الموضع، ومسلم والترمذي والنسائي كلهم من طرق عن سفيان بن عيينة به، وكذا رواه عبد الرزاق عن ابن أبي نجيح به.

وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا زهير، حدثنا شبابة، حدثنا المغيرة، حدثنا أبو الزبير عن جابر قال: دخلنا مع رسول الله مكة وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما تعبد من دون الله. فأمر بها رسول الله فأكبت على وجوهها، وقال: ﴿جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً﴾.

[[سورة الإسراء (١٧): آية ٨٢]]

﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظّالِمِينَ إِلاّ خَساراً (٨٢)

يقول تعالى مخبرا عن كتابه الذي أنزله على رسوله محمد وهو القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، إنه شفاء ورحمة للمؤمنين أي يذهب ما في القلب من أمراض من شك ونفاق وشرك وزيغ وميل، فالقرآن يشفي من ذلك كله، وهو أيضا رحمة يحصل فيها الإيمان والحكمة وطلب الخير والرغبة فيه، وليس هذا إلا لمن آمن به وصدقه واتبعه، فإنه يكون شفاء في حقه ورحمة، وأما الكافر الظالم نفسه بذلك، فلا يزيد سماعه القرآن إلا بعدا وكفرا، والآفة من الكافر لا من القرآن، كقوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٤]، وقال تعالى:

﴿وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ﴾ [التوبة: ١٢٤ - ١٢٥] والآيات في ذلك كثيرة. قال قتادة في قوله: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ إذا سمعه المؤمن انتفع به وحفظه ووعاه ﴿وَلا يَزِيدُ الظّالِمِينَ إِلاّ خَساراً﴾ أي لا ينتفع به ولا يحفظه ولا يعيه، فإن الله جعل هذا القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين (٢).

[[سورة الإسراء (١٧): الآيات ٨٣ إلى ٨٤]]

﴿وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (٨٣) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (٨٤)

يخبر تعالى عن نقص الإنسان من حيث هو إلا من عصمه الله تعالى في حالتي السراء والضراء، فإنه إذا أنعم الله عليه بمال وعافية وفتح ورزق ونصر، ونال ما يريد، أعرض عن


(١) أخرجه البخاري في المظالم والغضب باب ٣٢، وتفسير سورة ١٧، باب ١٢، ومسلم في الجهاد حديث ٨٤، ٨٧، والترمذي في تفسير سورة ١٧، باب ٨، وأحمد في المسند ١/ ٣٧٧.
(٢) انظر تفسير الطبري ٨/ ١٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>