وفي السنن من حديث جماعة من الصحابة أن رسول الله ﷺ قال:«أول ما خلق الله القلم، قال له: اكتب، قال وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن، فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة»(١).
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا ابن بكير، حدثني عطاء بن دينار، حدثني سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس: خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام، وقال للقلم قبل أن يخلق الخلق وهو على العرش ﵎: اكتب، فقال القلم: وما أكتب؟ قال:
علمي في خلقي إلى يوم الساعة، فجرى القلم بما هو كائن في علم الله إلى يوم القيامة، فذلك قوله للنبي ﷺ: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ﴾ وهذا من تمام علمه تعالى أنه علم الأشياء قبل كونها، وقدرها وكتبها أيضا، فما العباد عاملون قد علمه تعالى قبل ذلك على الوجه الذي يفعلونه، فيعلم قبل الخلق أن هذا يطيع باختياره، وهذا يعصي باختياره، وكتب ذلك عنده وأحاط بكل شيء علما، وهو سهل عليه يسير لديه، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ﴾.
يقول تعالى مخبرا عن المشركين فيما جهلوا وكفروا وعبدوا من دون الله ما لم ينزل به سلطانا، يعني حجة وبرهانا، كقوله: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ﴾ [المؤمنون: ١١٧] ولهذا قال هاهنا: ﴿ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً﴾ و ﴿ما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾ أي ولا علم لهم فيما اختلقوه وائتفكوه، وإنما هو أمر تلقوه عن آبائهم وأسلافهم بلا دليل ولا حجة، وأصله مما سول لهم الشيطان وزينه لهم.
ولهذا توعدهم تعالى بقوله: ﴿وَما لِلظّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾ أي من ناصر ينصرهم من الله فيما يحل بهم من العذاب والنكال، ثم قال: ﴿وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ﴾ أي وإذا ذكرت لهم آيات القرآن والحجج والدلائل الواضحات على توحيد الله، وأنه لا إله إلا هو، وأن رسله الكرام حق وصدق ﴿يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا﴾ أي يكادون يبادرون الذين يحتجون عليهم بالدلائل الصحيحة من القرآن، ويبسطون إليهم أيديهم وألسنتهم بالسوء ﴿قُلْ﴾ أي يا محمد لهؤلاء ﴿أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي النار وعذابها
(١) أخرجه أبو داود في السنة باب ١٦، والترمذي في القدر باب ١٧، وتفسير سورة ٦٨، وأحمد في المسند ٥/ ٣١٧.