لما أمر تعالى عباده المؤمنين بالوفاء بعهده وميثاقه الذي أخذه عليهم على لسان عبده ورسوله محمد ﷺ، وأمرهم بالقيام بالحق، والشهادة بالعدل، وذكرهم نعمه عليهم الظاهرة والباطنة فيما هداهم له من الحق والهدى، شرع يبين لهم كيف أخذ العهود والمواثيق على من كان قبلهم من أهل الكتابين: اليهود والنصارى، فلما نقضوا عهوده ومواثيقه أعقبهم ذلك لعنا منه لهم، وطردا عن بابه وجنابه، وحجابا لقلوبهم عن الوصول إلى الهدى ودين الحق، وهو العلم النافع، والعمل الصالح، فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً﴾ يعني عرفاء على قبائلهم بالمبايعة والسمع والطاعة لله ولرسوله ولكتابه، وقد ذكر ابن عباس ومحمد بن إسحاق وغير واحد أن هذا كان لما توجه موسى ﵇ لقتال الجبابرة، فأمر بأن يقيم نقباء من كل سبط نقيب، قال محمد بن إسحاق: فكان من سبط روبيل شامون بن زكّور، ومن سبط شمعون شافاط بن حرى، ومن سبط يهوذا كالب بن يوفنا، ومن سبط أبين ميخائيل بن يوسف، ومن سبط يوسف وهو سبط إفرايم يوشع بن نون، ومن سبط بنيامين فلطمى بن رفون ومن سبط زبولون جدي بن سودى ومن سبط منشا بن يوسف جدي بن موسى ومن سبط دان حملائيل بن حمل ومن سبط أسير ساطور بن ملكيل، ومن سبط نفثالي نحر بن وفسي، ومن سبط جاد جولايل بن ميكى.
وقد رأيت في السفر الرابع من التوراة تعداد النقباء على أسباط بني إسرائيل وأسماء مخالفة لم ذكره ابن إسحاق، والله أعلم، قال فيها: فعلى بني روبيل اليصور بن سادون، وعلى بني شمعون شموال بن صورشكي، وعلى بني يهوذا يحشون بن عمياذاب، وعلى بني يساخر شال بن صاعون، وعلى بني زبولون الياب بن حالوب، وعلى بني إفرايم منشا بن عمنهود، وعلى بني منشا حمليائيل بن يرصون، وعلى بني بنيامين أبيدن بن جدعون، وعلى بني دان جعيذر بن عميشذي، وعلى بني أسير نحايل بن عجران، وعلى بني حاز السيف بن دعواييل، وعلى بني نفتالي أجزع بن عمينان.
وهكذا لما بايع رسول الله ﷺ الأنصار ليلة العقبة، كان فيهم اثنا عشر نقيبا: ثلاثة من الأوس: وهم أسيد بن الحضير، وسعد بن خيثمة، ورفاعة بن عبد المنذر، ويقال بدله أبو الهيثم بن التيهان ﵁، وتسعة من الخزرج وهم: أبو أمامة أسعد بن زرارة، وسعد بن الربيع، وعبد الله بن رواحة، ورافع بن مالك بن العجلان، والبراء بن معرور، وعبادة بن الصامت، وسعد بن عبادة، وعبد الله بن عمرو بن حرام، والمنذر بن عمر بن حنيش ﵃، وقد ذكرهم كعب بن مالك في شعر له، كما أورده ابن إسحاق ﵀، والمقصود أن هؤلاء كانوا عرفاء على قومهم ليلتئذ عن أمر النبي ﷺ لهم بذلك، وهم الذين ولوا المعاقدة