للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَامِرٍ الْخَزَّازِ وَاسْمُهُ صَالِحُ بْنُ رُسْتُمَ بِهِ، وَنَاسَبَ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِأَنْ يَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا بَعْدَ مَا أَمَرَهُمْ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ بِالْفِعْلِ، فَجَمَعَ بَيْنَ طَرَفَيِ الْإِحْسَانِ الْفِعْلِيِّ وَالْقَوْلِيِّ، ثُمَّ أَكَّدَ الْأَمْرَ بِعِبَادَتِهِ وَالْإِحْسَانِ إلى الناس بالمتعين مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ، فَقَالَ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ تَوَلَّوْا عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، أَيْ تَرَكُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَأَعْرَضُوا عَنْهُ عَلَى عَمْدٍ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ إِلَّا القليل منهم، وقد أمر الله هَذِهِ الْأُمَّةَ بِنَظِيرِ ذَلِكَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ بِقَوْلِهِ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً [النِّسَاءِ: ٣٦] فَقَامَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ مِنْ ذَلِكَ بِمَا لَمْ تَقُمْ بِهِ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ قَبْلَهَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

وَمِنَ النُّقُولِ الْغَرِيبَةِ هَاهُنَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ يَعْنِي التِّنِّيسِيَّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ صُبَيْحٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَسَدِ بْنِ وَدَاعَةَ: أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ مَنْزِلِهِ فَلَا يَلْقَى يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا إِلَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا شَأْنُكَ تُسَلِّمُ على اليهودي والنصراني؟ فقال: إن الله تعالى يَقُولُ: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَهُوَ السَّلَامُ. قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِي نَحْوَهُ (قُلْتُ) وَقَدْ ثبت في السنة أنهم لا يبدءون بالسلام، والله أعلم.

[سورة البقرة (٢) : الآيات ٨٤ الى ٨٦]

وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٨٤) ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٨٥) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٨٦)

يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، وَمَا كَانُوا يُعَانُونَهُ مِنَ الْقِتَالِ مَعَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ وَهُمُ الْأَنْصَارُ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ عُبَّادَ أَصْنَامٍ، وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ حُرُوبٌ كَثِيرَةٌ، وَكَانَتْ يَهُودُ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَ قَبَائِلَ: بَنُو قَيْنُقَاعَ، وَبَنُو النَّضِيرِ: حُلَفَاءُ الْخَزْرَجِ، وَبَنُو قُرَيْظَةَ: حُلَفَاءُ الْأَوْسِ، فَكَانَتِ الْحَرْبُ إِذَا نَشِبَتْ بَيْنَهُمْ، قَاتَلَ كُلُّ فَرِيقٍ مَعَ حُلَفَائِهِ، فَيَقْتُلُ الْيَهُودِيُّ أَعْدَاءَهُ، وَقَدْ يَقْتُلُ الْيَهُودِيُّ الْآخَرُ مِنَ الْفَرِيقِ الْآخَرِ، وَذَلِكَ حَرَامٌ عليهم في دينهم ونص كتابهم، ويخرجونهم من بيوتهم وينتهبون مَا فِيهَا مِنَ الْأَثَاثِ وَالْأَمْتِعَةِ وَالْأَمْوَالِ، ثُمَّ إِذَا وَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا اسْتَفَكُّوا الْأَسَارَى مِنَ الْفَرِيقِ الْمَغْلُوبِ عَمَلًا بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ، وَلِهَذَا قَالَ تعالى: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ [البقرة: ٨٥]

<<  <  ج: ص:  >  >>